Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جاستا.. مِنِتْ

أحببت أن أعنون مقالتي بـ: Justa Minute، أي «لنتمهَّل دقيقة».

A A
أحببت أن أعنون مقالتي بـ: Justa Minute، أي «لنتمهَّل دقيقة». وأقصد لنتمهل قليلاً في حكمنا وتعاملنا ونظرتنا العامة، إلى قانون (جاستا) الذي أقره الكونجرس معطلا به حق النقض الذي مارسه الرئيس أوباما لأول مرة منذ توليه الرئاسة، فقد مرر أوباما حقه في الفيتو إحدى عشر مرة دون اعتراض الكونجرس. لنتمهَّل قليلًا قبل أن نقول: إن أمريكا ستتضرر كثيرًا من هذا القانون، لأنه يسمح بمقاضاتها من قبل اليابانيين مثلًا لما فعلته بهم في هيروشيما وناكازاكي إبان الحرب العالمية الثانية، أو الكوريين لما تسببت به من إبادة الآلاف منهم أو الفيتناميين الذين أوشكت أن تبيدهم، وشعوب أخرى عدة منها العراق الذي بدأ بعض الناشطين فيه التحرك لمقاضاة أمريكا نظير ما فعلته بالشعب العراقي من فتك وإبادة في 2003م وما بعدها.. الخ، يجب أن نتمهل قليلًا إزاء هذا كله انطلاقًا من مفهوم يؤصله مثل «حجازي»: «إن كان خصمك القاضي مين تقاضي»، نعم إن خصم هذه الشعوب هو قاضي العالم وشرطيه، وفيه الخصام، وهو الخصم والحكم، فليس حقيقيًا أن هذه الشعوب التي طحنتها أمريكا يمكن أن تنال منها حبة من خردل أو أن تحظى بمجرد اعتذار رغم كل ما فعلته خلال عشرات السنين، وأنى لهذه الشعوب أن تحصّل حبة من خردل أو نقيرًا من أمريكا، وجميع أموالها مودعة هناك وليس العكس، أو أنها مقرضة أمريكا ترليونات الدولارات، وإن نبست هذه الشعوب ببنت شفة، فعلى إيداعاتها واستثماراتها وديونها السلام، ومن يستطيع أن يفرض على القطب الأوحد أحكامه وشروطه (ما عدا إسرائيل بالطبع)، لذلك لنتمهل قليلًا قبل أن نقول: «إن أمريكا ستتضرر من هذا القانون، والأهم من ذلك في الوقت نفسه أن نتمهل قليلًا قبل أن نحكم سلفًا بأن المملكة العربية السعودية ستكون المتضرر الأول أو ضمن المتضررين من هذا القانون بتهمة دعم الإرهاب في 11 سبتمبر، ذلك أن هذا القانون يسمح بمقاضاة المملكة أو سواها من الدول بتهمة دعم الإرهاب، ولا يقضي القانون بالضرورة بالإدانة المباشرة لدولة من الدول، ومعنى ذلك أن الأدلة والقرائن يجب أن تكون دامغة لتوقيع أي عقوبة على دولة من الدول، والمملكة لم تثبت ضدها أي إدانة، بل على العكس، ثبت أنها الدولة الأولى في مواجهة الإرهاب، وعليه إن تمكنت المملكة من حشد جيش من المحامين والقانونيين المهرة في وجه تلك الاتهامات فإن معظمها سيسقط ولاشك، حتى لو طالت مدة التقاضي، وأضرب مثلًا واقعيًا صغيرًا في هذا المجال، ما حصل لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي أكبر منظمة خيرية إسلامية في العالم، وقد وُجّهت لها عشرات التهم بدعم الإرهاب في أمريكا فصمدت لما يقرب من عشر سنين ووكلت فريق محامين متميزًا، وأخيرًا أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تبرئة الهيئة من تهمة دعم الإرهاب، وعادت لتمارس نشاطها، والقياس هذا مع الفارق بالطبع، فالمملكة لها من القدرات والعلاقات الدولية ما لا يمكن وصفه، وعليه فإن هذا القانون فرصة سانحة لاجتثاث هذه الاتهامات من جذورها، وهذا القانون هو «الفزَّاعة» الجديدة التي تصوَّر الأمريكان أن يبتزّونا بها، ولكن هيهات أن تفزعنا، ومرة أخرى: جاستا مِنِتْ، لنتمهل قليلًا في تعاملنا مع جاستا، ولا نضيّع وقتنا في الترقب ولنستثمره في الاستعداد والخطوات المدروسة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store