Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

( الثامنة ) وحديث الإحباط !

اعتادت (سلوى ) الخروج من بيتها بالمدينة المنورة في حوالي الساعة الخامسة فجراً -وربما أبكر تبعاً للصيف أو الشتاء - كل يوم خلال الأسبوع الدراسي على مدى ثلاث سنوات ، لتستقلَّ الحافلة الصغيرة التي اتفقت

A A
اعتادت (سلوى ) الخروج من بيتها بالمدينة المنورة في حوالي الساعة الخامسة فجراً -وربما أبكر تبعاً للصيف أو الشتاء - كل يوم خلال الأسبوع الدراسي على مدى ثلاث سنوات ، لتستقلَّ الحافلة الصغيرة التي اتفقت هي وزميلاتها المعلمات مع سائقها على أن تُقِلهنَّ إلى موقع عملهن ، في ( الأكحل / وادي الفرع ) حيث تبعد القرية الصغيرة حوالي ١٥٠ كيلو متراً عن المدينة المنورة . تبدأ الرحلة بسلوى ثم تمر على باقي زميلاتها، من أولئك اللواتي يشاركنها في اللقمة المغمسة بعذاب السفر اليومي ذهاباً وإياباً ، مع متاعب ومشاق مهنة التعليم ، ناهيك عن احتمالات التعرض لمخاطر الطريق وفجاءة الحوادث والإصابات ! لينتهي يوم العمل تقريباً -من الساعة الرابعة إلى الخامسة عصراً - حسب موقع منزل كل واحدة - تعود كل منهن وقد أنهكها تعب التدريس وأثخنها الإرهاق وطول الشُّقة بينها وبين مكان عملها ، ثم يأتي - ياللمفارقة - وزير الخدمة المدنية ( خالد العرج ) ليتحدث من برجه العاجي -بلغة تعميمية مجحفة ناسفاً كل هذا العمل المضني- عن إنتاجية ساعة للموظف السعودي !! وحدِّث ولاحرج عن مئات القصص لأشباه وشبيهات المعلمة سلوى من المعلمين والأطباء والجنود والمهندسين ورجال الشرطة ، وغيرهم ممن يتقاضون رواتبَ مغمسة بالتعب والمشقة والصبر والعمل الدؤوب، والذين أشبعهم رواد مواقع التواصل ذكراً وإحصاءً للفضل والجهود. ناهيك عن الموظفين والموظفات الأكفاء الحريصين على أداء عملهم بإخلاص وأمانة في الدوائر الحكومية ، والذين وضعهم معالي الوزير، بلغته التعميمية المحبطة المستهينة بجهودهم ،في خانة المتسيبين وهزيلي الإنتاج ذاكراً دراسة « ما « بهذا الشأن !، لتتناقل المواقع والصحف -ومنها الأجنبية -أخبار الموظفين السعوديين الكسالى في البلد، الذي يوشك على الإفلاس لولا إجراءات التقشف ! وتلك قصة مؤسفة أخرى أيضاً- اشتعلت على خلفيتها مواقع التواصل بردود أفعال مفعمة بالمرارة ، لاريب أنها أخافت الناس وقد تسبب هلع بعضهم وتعريضهم للإفلاس «سيىء الذكر» ، الذي لوح به «نائب وزير الاقتصاد والتخطيط «..ياللعجب !
تطلعنا جميعاً لبرنامج (الثامنة ) كوننا انتظرنا طويلاً ، لنسمع من المسؤولين الأفاضل ما يطمئن النفوس ويوضح الصورة المستقبلية ، لنصطدم بأنهم بعيدون عن واقع المواطن وهمومه، وعن الرأي العام المتأجج على مواقع التواصل والذي تنفخ نيرانه الشائعات والمبالغات، وأحاديث الصحافة الإلكترونية الصفراء ، والمخاوف الناتجة عن المؤامرات التي تحاك ضد الوطن بسبب قانون ( جاستا) ،إلى باقي حديث الساعة من توجُّسات !
للأسف لم يكن حديث حضرات المسؤولين موفقاً في طمأنة المواطن، ولم يفلح في بث روح إيجابية نحن أحوج ما نكون لها اليوم ، بقدر ماحمَّل المواطن أحمالاً ثقالاً من الشعور الممض بأنه هو نفسه المسؤول عما آل إليه حاله ، ولذا عليه هو أن يقيل عثرات الوزارات ، ويصلح ما أفسدته الخطط المتعثرة ، والمشاريع غير المدروسة التي أهدرت فيها الأموال واستُنزفتْ فيها الثروات !! فيما لم يُتح للمواطن أن يكون له صوت حقيقي يعبر عنه ليناقش المسؤولين في البرنامج الذي اشتهر -يوماً ما- بالجرأة والصراحة !، كما لم تُعطَ مساحة أيضاً لخبراء اقتصاديين مستقلين قادرين على إدارة دفة الحديث إلى مايشفي غليل المواطن، ويجيب على أسئلته الحائرة عن الماضي وخططه المتعثرة ، والمستقبل ورؤيته وكيف نستطيع الوصول بها لبر الأمان ، في ظل معطيات حاضرنا المثقل بالتعقيدات والأزمات الاقتصادية !
علينا أن ندرك أن واقعنا وطبيعة الأحداث المتسارعة والأزمات المتلاحقة التي تعصف بمنطقتنا العربية برمتها ، فضلاً عن الفضاءات المفتوحة على مصراعيها اليوم للتعبير عن الرأي ، تستدعي تعاطياً مختلفاً ونوعياً على المستوى الإعلامي التكاشفي بين المسؤول والمواطن ، وعلى المستوى الأدائي الرقابي الذي لابد أن يكون فيه المواطن شريكاً في المتابعة والمراقبة ومحاسبة المفسدين والمقصرين .
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store