Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

واختلط حابل الشك بنابل العك

يُقال:»مَن يَشُك قَلَّمَا يُخطئ»..

A A
يُقال:»مَن يَشُك قَلَّمَا يُخطئ».. مِن هُنَا يَبدو الشَّك -بَعض الأحيَان- أَدَاة مِن أَدوَات الوصُول إلَى المَعرفَة، وعِندَما نَقول «الشَّك»، فلَا يَتبَادر إلَى الذِّهن الشَّك في الأمُور الحيَاتيّة الثَّابِتَة، أَو مَا هو مَعروف مِن الدِّين بالضَرورَة، وإنَّما نَقصد «الشَّك»، الذي يُحرِّض البَاحثين عَلى طَلَب المَزيد مِن البَحث والاستقصَاء، واستدعَاء الدَّليل والبُرهَان..!
إنَّني أَشعُر بالحُزن؛ عِندَما أَرَى أمُوراً قَابلة للشَّك والجَدَل، ومَع ذَلك تُطرح عَلى النَّاس وكَأنَّها مُسلَّمَات، لَا يَأتيها البَاطِل مِن بَين يَديها ولَا مِن خَلفهَا..!
أَعجبني الفَيلسوف «سارتر» ذَات مَرَّة، حِين جَادَل أَحَد أَصدقَائه، فقَال لَه الصَّديق: (هَل أَنَا عَلى خَطأ؟)، فرَدَّ عَليه «سارتر» بكُلِّ هدُوء قَائلاً: (مَن أَنَا حَتَّى أُجزم بأنَّكَ عَلى خَطَأ؟)..!
إنَّ مَن يَتتبَّع النِّقَاشَات في أَوسَاطنا المَعرفيّة، يَجب أَن يُدرك أنَّ مَنسُوب مستوَى اليَقين عِندَنا عَالٍ، حَتَّى في الأمُور التي يَجب الشَّك فِيهَا، وإذَا أَردتَ مِثالاً عَلى هَذا، لَاحظ المُقَارَنَات بَين المُدن أَو المَلابس، كُلٌّ يَجزم بأنَّه صَاحب الذّوق السَّليم، أَو أَنَّ مَدينته هي الأفضَل، مَع أَنَّ حُبّ الأشيَاء لَا يَخضع للمَقاييس العِلميَّة، بَل للعَوامِل النَّفسيَّة..!
إنَّ سَبب ضمُورنا المَعرفي وضَآلتنا في البَحث، يَرجعَان إلَى انتشَار كَلِمَات مِثل: «مِن غير لِيه»، أَو «مَا يبغَالهَا كَلام»، أَو «حُطّ خَطّين وامحِ الثَّالث»، أو «بلا جِدَال ولَا سُؤال»، أو «لَا شَكّ في ذَلك ولَا رَيب فِيهِ»، أَو «هَذا أَمر لَا تَتنَاطَح حَوله عَنْزَتَان»، رَغم أنَّ «العَنْزَة» دَائِماً تَتنَاطَح مَع أُختهَا..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نُذكِّركم بمَقولة أُستَاذنا العَظيم «أرسطو» حِينَ قَال: (الجَاهِل يُؤكِّد، والعَالِم يَشُك، والعَاقِل يَتروَّى).. لذَلك صَنِّف نَفسك بنَفسك، ولَو عَلى طَريقةِ المَحلَّات؛ التي تُعلِّق عَلى وَاجهاتها لوحة كُتب عَليها: «سَمِّينا بنَفسِك»..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store