Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حديث النفس يطرد النحس

اللُّغَة التي يَستَخدمهَا الإنسَان كَائنٌ خَطير، فهي- بوَجهٍ مِن الوجُوه- تَقود أَفعَاله وتَتحكَّم بحَالتهِ النَّفسية..

A A
اللُّغَة التي يَستَخدمهَا الإنسَان كَائنٌ خَطير، فهي- بوَجهٍ مِن الوجُوه- تَقود أَفعَاله وتَتحكَّم بحَالتهِ النَّفسية.. هَذا مَا تَوصَّلتُ إليهِ؛ بَعد قِرَاءة مِئَات الكُتب في التَّنمية البَشريَّة، وتَطوير الذَّات، وحَتَّى نُبيِّن مَا المَقصود باللُّغَة، دَعونَا نَطرح الأمثِلَة، فبالمِثَال -كَما يُقال- يَتَّضح الحَال:
يَتَّفق عُلَمَاء وخُبرَاء التَّنمية البَشريَّة؛ عَلَى أَنَّه مِن المُهم أَنْ يَتكلَّم الإنسَان مَع نَفسه دَائماً بإيجَابيَّة، لأنَّك لَو كَرَّرتَ بَينك وبَين نَفسك عِبَارة: «أَنَا أَنسَى، أَنَا أَنسَى، أَنَا أَنسَى»، فإنَّك بَعد أيَّام، ستَكون بَرْمَجتَ عَقلك البَاطن عَلى النِّسيَان، وبَدَأَت ذَاكرتك تَتعَامل مَعك؛ عَلى أنَّك مَوهوب في «النِّسيَان»..!
كَمَا يُركِّز خُبرَاء تَطوير الذَّات؛ عَلى استخدَام الفِعل المُضَارع، لذَلك لَيس مِن المُفيد أَن تُردِّد عِبَارة: «سأَفعَل، وسأَفعَل، وسَأفعَل»، بَل تَحدَّث بصِيغة الحَاضِر، حَتَّى تَستفيد مِن طَاقة اللَّحظَة وقوَّتها، ومُكوِّنَاتها النَّفسيَّة، فمَثلاً قُل: «أَنَا أُحبُّ الحيَاة»، «أَنَا أَتذكَّر الأشيَاء الجيَّدة»، «أَنَا أَقرَأ كُلّ يَوم لمُدّة سَاعتين»..!
أكثَر مِن ذَلك، يَقول خُبرَاء اللُّغَة: «تَجنَّب الحَديث بصِيغة النَّفي»، وحَتَّى يَتَّضح مَعنَى هَذه الجُملة، لَا تَقُل: «أَنَا لَا أُحبُّ الكَذِب»، بَل قُل: «أَنَا أُحبُّ الصِّدق»، ولَا تَقُل: «لَا لليَأس»، بَل قُل: «نَعَم للأَمَل»، ولَا تَقُل: «لَا للتَّشَاؤم»، بَل قُل: «نَعَم للتَّفاؤل»، ولَا تَقُل: «أَنَا لَا أُحبُّ التَّأخُّر عَن العَمَل»، بَل قُل: «أَنَا أُحبُّ الحضُور مُبكِّراً إلَى العَمَل»، وأَخيراً لَا تَقُل: «أَنَا لَا أَستَمتع بالمُدن الكَبيرة»، بَل قُل: «أَنَا أَستَمتع بالمُدن الصَّغيرة».. بمَعنَى مِن المَعَاني: تَحدَّث عَمَّا تُريد، لَا عَمَّا لَا تُريد..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نَقول: أيُّها القَوم -رِجَالاً ونِسَاءً- رَاقِبوا الكَلِمَات التي تَتحدَّثون بِهَا عَن أَنفسكم، لأنَّ كَلِمَات اليَوم هي قَنَاعَات الغَد، وقَنَاعَات الغَد ستُصبح مُمَارسات رُوتينيّة؛ في اليَوم الذي يَليه، وتَحدَّثوا بإيَجابيَّة، لأنَّ الحَديث عَن الشّيء سيَجعله مَع الوَقت يَتحقَّق، وإذَا قَال أَهل الحِجَاز في أمثَالهم بأنَّ: «اللي يَخاف مِن الحيّة تطلع له»، فإنَّ «العرفج» يَجزم بأنَّ: «مَن يَتحدَّث بإيجَابيَّة، سيَلتقي بالسَّعَادَة وَجهاً لوَجه بلا مَوعد»..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store