Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الفزاعة الرابعة

ظهرت -قبل وبعد فوز المرشَّح الأمريكي الجمهوري (دونالد ترمب) برئاسة الحكومة الأمريكية- على شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من التكهنات عن موقفه من الشرق الأوسط وصراعاته، ومن المسلمِين وقضاياهم.

A A
ظهرت -قبل وبعد فوز المرشَّح الأمريكي الجمهوري (دونالد ترمب) برئاسة الحكومة الأمريكية- على شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من التكهنات عن موقفه من الشرق الأوسط وصراعاته، ومن المسلمِين وقضاياهم. ما لفت انتباهي -في زحمة هذه التكهنات- صورةٌ غرد بها مغرد تحمل صورًا لزعماء أمريكيين سابقِين (كلينتون-بوش الابن-أوباما) بالإضافة لترمب، رابطًا فيها صورةَ كلينتون بـ»طالبان» وصورة بوش بـ»القاعدة» وصورة أوباما بـ»داعش»، وواضعًا أمام صورة ترمب (علامة استفهام) تحمل تساؤلاً مضمرًا عن ماهية الفزاعة الرابعة التي ربما تُضاف للفزاعات الثلاث السابقة. كلنا يعلم حيثيات ما يسمى بالجهاد الأفغاني، وأنه لولا مصالح أمريكا لَمَا سُمِح للعرب بالذهاب إلى أفغانستان، ولَمَا أُطلق على مقاومة الأفغان للسوفييت جهادًا، ولذا وبعد زوال المحتل السوفييتي - وفي انقلابةٍ عجيبةٍ- بادرت أمريكا بصناعة كواسح ضد الحركات الإسلامية التي تشكلت في أفغانستان؛ فصنعت الفزاعة الأولى (طالبان) في فترة الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون)، وفي فترة الرئيس الأسبق (بوش الابن) وبعد انتهاء مهمة فزاعة طالبان صنعت أمريكا للغرض ذاته فزاعة ثانية هي (القاعدة) التي كانت على نطاق جغرافي أوسع، وكانت تُستغَل لممارسة عمليات تصفية وقَمع تحت حجج واهية، وفي فترة الرئيس المنتهية ولايته (باراك أوباما) صنعت الفزاعة الثالثة (داعش) لضمان استمرارية العلةِ والسببِ اللذين يضمنان لها البقاء في الشرق الأوسط متقمصةً دور (الشرطي والحَكَم)، في التفاف كامل على وضعها الحقيقي في كونها (الخَصْم) الذي لا يسع الجميع إلا النزول عند رأيه مهما كان جائرًا. لعل تكهنات البعض لما سيكون عليه موقف أمريكا تجاه الشرق الأوسط والمسلمين في عهد ترمب تأتي على خلفية تصريحاته أثناء حملاته الدعائية، وفاتَ هؤلاء أن الوعود التي تصحب الحملات الانتخابية تكون (متشظية)، غايتُها دغدغة مشاعر الناخبِين لكسب المزيد من أصواتهم، بدليل أنه بعد ترشُّح أي رئيس وتربُّعه على كرسي الرئاسة تبدأ الذاكرة الجمعية في تناسي تلك الوعود، بل قد تجد لبعضها مخارجَ وتأويلاتٍ، وما وعود أوباما -من على منصة جامعة القاهرة- للمسلمِين، ودغدغته مشاعرهم، ووعود بعض الوزراء قبل تسنمهم وزاراتهم، ووعود بعض ناخبِي المجالس البلدية أثناء حملاتهم الانتخابية عنا ببعيد. ومهما يكن فستظل أمام الرؤساء الأمريكيين خطوطٌ عريضةٌ رسمتها الدولة العميقة لا يمكنهم العدول عنها إلا (لفظًا) وبقدر ما تتطلبه الحملات الانتخابية، ولذا فخط سير السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سيظل ثابتًا. كذلك لا يمكن الحكم بتغيُّرٍ أمريكيٍّ جذري مع أو ضد الإسلام والمسلمين، وستظل المصالح الأمريكية العليا تحكم هذا الخط، حتى لو تطلب الأمر صناعة (فزاعة رابعة)، فالحجج قائمة، والوسائل متوفرة. وتبقى مسؤولية الدول العربية والإسلامية تتمثل في تشكيل مواقف موحدة، والعمل على خلق حالة من التوازن بينها وبين أمريكا تحكمها المصالح المشتركة والاحترام المتبادَل، وأن تعمل هذه الدول على كسب رضا شعوبها - التي هي رهانها الأول- قبل كسبها رضا الحكومات الغربية وفي مقدمتها أمريكا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store