Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لعنة الكمال تهدُّ الجبال !!

يَعتبرُ النَّاس «الكَمَال» مِيزَةٌ جَيَّدة، وفَضيلَةٌ مُحتَرمة، ولَكن العُقلَاء والحُكَمَاء يَعرفون أَنَّ ظهُور الإنسَان بِلَا عيُوب؛ يُسبِّب لَه المَتَاعِب والمَصَائِب، ويُؤلِّب عَليه النّفُوس وأَصحَ

A A
يَعتبرُ النَّاس «الكَمَال» مِيزَةٌ جَيَّدة، وفَضيلَةٌ مُحتَرمة، ولَكن العُقلَاء والحُكَمَاء يَعرفون أَنَّ ظهُور الإنسَان بِلَا عيُوب؛ يُسبِّب لَه المَتَاعِب والمَصَائِب، ويُؤلِّب عَليه النّفُوس وأَصحَاب المَآرب..!
عِندَما كُنتُ أُعدُّ بَحث المَاجستير، أَوصَاني بَعض الدَّكاترة بأنْ أَتعمَّد ارتِكَاب بَعض الأخطَاء البَسيطَة، حَتَّى يَنشَغل بِهَا أَعْضَاء لَجنة المُنَاقَشَة، لأنَّهم إذَا لَم يَجدوا خَطأً، سيُركِّزون عَلى المَنْهَج، ويَخترعون نَواقِص وسَلبيَّات، فمُهمّة المُنَاقِش كَشْف الخَلَل في البَاحِث، حَتَّى يُثبت أنَّه قَرَأ البَحث الذي بَين يَديه بدِقَّةٍ وتَمعُّن..!
كَما أَنَّ النَّاس بطَبيعتهم يَميلون إلَى النَّقد، ويَسعون إليهِ، ومَتَى وَاجهوا عَملاً كَاملاً لَا خَلَل فِيه؛ تَركوه، لأنَّهم لَا يَستطيعون إبدَاء الرَّأي حَوله، فهُم غَالباً يَكرهون مُجَالسة مَن يَعرف كُلّ شَيء، لأنَّه يُجبرهم عَلى الصَّمت..!
ولَو أَردتَ تَجربة ذَاتيَّة عَن تَفَاعُل النَّاس، وَقت اكتشَافهم للخَطَأ، سأتحدَّث عَن «تويتر»، الذي اعتَدنَا فِيهِ ارتِكَاب بَعض الهفوَات الإملائيَّة الطَّفيفة، حَتَّى إذَا صَادَها المُتلقِّي هَلَّل وكَبَّر، وتَفَاعل وتَجبَّر، قَائلاً: (قَفشتك بالخَطأ.. أَحسَن لَك رُوح اتعلِّم إملَاء)..!
إنَّ مُشكلة ظهُور الإنسَان كَاملاً بِلَا عيُوب، مُعضلة قَديمَة، انتبَه إليهَا عَمّنا الفَيلسوف المَعروف «روبرت جرين»، حَيثُ يَقول في القَانون الـ46 مِن كِتَابه «كَيف تمسك بزَمَام القُوَّة»: (لَا تَظهَر كَامِلاً أَكثَر مِمَّا يَنبغي، فظهُور المَرء أفضَل مِن الآخَرين خَطَرٌ عَلَى الدَّوَام، ولَكن الأخطَر مِن كُلِّ شَيء، هو ظهُور المَرء بِلَا عَيب ولَا ضَعف، فالحَسَد يَخلق أَعدَاء صَامتين، ومِن الذَّكَاء أَنْ يَكشف المَرء عَن نَواقِص فِيهِ بَين حِينٍ وآخَر، وأَنْ يَعتَرف برَذَائل غَير مُؤذية لإبعَاد الحَسَد، ولكَي يَظهر المَرء أكثَر إنسَانية؛ وقَابليَّة لأنْ يَقتَرب مِنه الآخَرون، فالمَوتَى فَقط هُم القَادرون عَلى الظهُور بمَظهَر الكَمَال، والإفلَات بِهِ مِن العِقَاب)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي التَّأكيد عَلَى أَنَّ هَذه الكِتَابة مَليئة بالنَّواقِص والعيُوب، ومَن لَديه القُدْرَة عَلَى إتمَامها، فإنَّ بَابها مَفتوح، كبَاب الصَّيدليَّة المُنَاوِبَة عَلى مَدَار 24 سَاعة..!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store