Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التحرش والاستغلال الجنسي للأطفال !

لاشك أنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على قضية التحرش والاستغلال الجنسي للأطفال ، وهي قضية شائكة وليست بالجديدة سواء في مجتمعنا أو في المجتمعات الأخرى في العالم وإن بدرجات متفاوتة .

A A
لاشك أنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على قضية التحرش والاستغلال الجنسي للأطفال ، وهي قضية شائكة وليست بالجديدة سواء في مجتمعنا أو في المجتمعات الأخرى في العالم وإن بدرجات متفاوتة . ولعلّ قضية استغلال الأطفال جنسياً عُرفت منذ القدم ، ووجدت منذ أن تحركت نوازع الشر في بني الإنسان ، حينما يخرس الضمير ، ويستيقظ الوحش الكاسر ليفترس براءة الطفولة ، ويقتات على حداثة سنها ،وهشاشة خبرتها، وانكساراتها.. مراهناً على صمت الضحية ، وخوفها من البوح عما حدث لها، من انتهاك للجسد وافتئات على الكرامة . وكنت قد كتبت عن هذه القضية عام ٢٠٠٥ م ، بعيد صدور دراسة للدكتور علي الزهراني الحاصل على الدكتوراة في ( سوء معاملة الأطفال والمراهقين ) ، والتي حوت نسباً مرعبة تم رصدها في الشريحة التي تناولتها الدراسة. وعدت أيضاً للكتابة عنها عدة مرات ، لقرع الجرس والتنبيه لآثارها الخطيرة على الصحة النفسية للأجيال الصاعدة ،خاصة وأن القضية كانت تدخل في نطاق المسكوت عنه آنذاك، لحساسيتها وصعوبة الاعتراف بها في مجتمعنا المحافظ ، حتى وصلنا بحمد الله لمرحلة كسر جدار الصمت ومناقشة القضية بشفافية .
من هذا المنطلق أشكر جهود كافة المشاركين والقائمين على الملتقى الوطني للوقاية من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت ، الذي عقد برعاية سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف . فاليوم تزداد الحاجة إلى مناقشة ومعالجة هذه الظاهرة الخطيرة ، خاصة بعد تشعبها بتنامي استخدام الإنترنت من قبل الأطفال والمراهقين ، وانتشار الأجهزة الذكية في أيديهم ، ويكفي أن نعرف أن ثلث مستخدمي الإنترنت في العالم من الأطفال . وهذا الامتداد في استخدام الأطفال والمراهقين للشبكة ساهم في استشراء الظاهرة ، فقد أعطى مساحة أكبر ومسالك أوسع للوحوش البشرية ،التي لا تتورع عن استغلال الأطفال وانتهاك براءتهم وصولاً لابتزازهم. ولا ريب أن الأمهات والآباء اليوم يتوجسون خيفة مما قد يصافح عيون أطفالهم وهم يقلبون بأصابعهم الصغيرة صفحات الإنترنت ، أو خوفاً من عصابات الشر التي تستهدفهم .
من المؤكد أن الآثار النفسية لهذه الجرائم توصم النفوس البريئة للأطفال وتغرس بأنيابها في ذاكرتهم ، وقد لا يستطيعون التخلص من جراحها أبداً ، ما لم يخضعوا للتأهيل والعلاج النفسي لينفضوا عن نفوسهم ماعلق بها من تشوهات نفسية . وقد تصل هذه الآثار لتشويه الهوية الجنسية للطفل ، أو قد تجعل منه هو نفسه صورة مكررة من الجاني عندما يكبر ، فالضحية تميل حسب الدراسات لتكرار النمط السلوكي للتحرش عندما تكبر . ناهيك عن دراسات أخرى عرضت في الملتقى ، أوردت أن الفئة التي تعرضت للتحرش أو التنمر الجنسي -سواء منه التقليدي أو الإلكتروني- أكثر عرضة لتبني سلوكيات خطرة في الكبر؛ مثل تعاطي الكحول والمخدرات، والانخراط في علاقات جنسية غير شرعية ، وصولاً للتفكير بالانتحار بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بالآخرين الذين لم يتعرضوا .
إن مفتاح قضية التحرش يتجلى -بداية- في التوعية ، ففيها فصل المقال لتحصين النشء ، فالوعي سيجعل الطفل يرفض اليد العابثة الممتدة له ، ويهرب من سطوتها عليه ، ثم لن يخشى التبليغ عن المتحرش ، لأن صمت الضحية يرجع غالباً لشعورها المغلوط بالمسؤولية عن الفعل، رغم أنه لاذنب لها فيه !.
جاء شعار الملتقى الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي بعنوان ( مسؤولية مشتركة ) ليؤكد دور البيت والمدرسة والمسجد والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في بث الوعي .وخرج الملتقى بواحد وعشرين توصية ، لعلّ من أبرزها إنشاء مركز للسلامة الإلكترونية على غرار كثير من دول العالم ، وإعداد اللوائح التنفيذية والإجراءات التنظيمية المتعلقة بآليات التعامل مع المشكلة ، ودعم الجهود الوطنية في التصدي لجرائم الاستغلال الجنسي ، وتحديد الجهة المعنية بتلقي البلاغات مع توفير وتطوير وسائل التبليغ ، وسهولة استخدامها ، ونشرها والتوعية بها بين كافة شرائح المجتمع ،وضمان حماية وسرية المبلغين .
بطبيعة الحال ، لا يكفي فقط الخروج بالتوصيات ، ولكن الأهم أن تخرج سريعاً إلى حيز التنفيذ، حماية لبراعمنا اليانعة من هذا الشر المستطير.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store