الاحتواء الإسرائيلي من التطبيع إلى التجنيد

* لقد ظلَّت سياسةُ التطبيع مع الكيان الصهيونيِّ أمرًا مرفوضًا عند جميع التَّيارات السياسيَّة العربيَّة، منذ قيام ذلك الكيان، فوق أرض فلسطين العربيَّة والمسلمة عام 1948م، حتَّى قيام حرب أكتوبر 1973م، ولقد تفتَّقت ذهنيَّة وزير الخارجيَّة الأمريكيّ ذي الجذور اليهوديَّة الدكتور هنري كيسنجر Kissinger عن مشروع السلام العربيِّ الإسرائيليِّ، بعد أن أظهرت دول المواجهة العربيَّة قدرًا كبيرًا من التفوُّق في حرب أكتوبر. ومع أنَّ البلد العربيَّ مصر استعاد شبه جزيرة سيناء، بعد ذلك المشروع، إلاَّ أنَّ الشعب المصري ظلَّ رافضًا للتطبيع، وكان جميع السفراء الإسرائيليين يشعرون بالغربة، إن لم يكن بمشاعر العداء من جميع طبقات الشعب المصري، المعتز بتاريخه، وعروبته. وظلت منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة رافعةً شعار المقاومة، إلى أنْ تحقَّقت المصافحة الشهيرة، بين الزعيم الفلسطينيّ ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين Rabin، وكان توقيع مشروع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقيام السلطة الفلسطينيَّة فوق جزء من الأراضي العربيَّة المحتلة عام 1967م، ولكن المشروع دُفن مع رابين، الذي قتله أحد المتطرِّفين اليهود.
* ثم كان صعود اليمين المتشدِّد بزعامة نتانياهو الذي وجد من جميع الحكومات الأمريكيَّة المتعاقبة دعمًا ومداهنةً في سبيل إرضاء اللوبي الصهيونيّ داخل أمريكا.. ويمكن القول إنَّ الخلاف الذي قام بين الفلسطينيين أنفسهم، كان واحدًا من أهمِّ الأسباب التي جعلت هذا اليمين يستمر في عتُوِّه وغطرسته.
* ولكن ما يفزع حقًّا، هو ذلك الفيلم الوثائقيّ الذي تبثُّه قناة بي.بي.سي العربيَّة، والذي يُظهر صراحة انضمام بعض من الشباب الفلسطيني إلى الجيش الإسرائيلي، ويقسم عند الانضمام على ولائه الكامل للكيان الصهيونيّ، وذلك يعني أنَّ هذه الزمرة الشاذَّة، والتي تُذكِّر بجيش «لحد» في الجنوب اللبناني، يمكنها أن تشارك الجيش الإسرائيلي ضرب أيَّ فلسطينيٍّ يمكن تصنيفه -صهيونيًّا- على أنَّه إرهابيٌّ، وممَّا يؤسف له أن الفيلم احتوى على مقابلة رجل دين مسيحي، يشجِّع الشباب على الانضمام للجيش، الذي يُعتبر امتدادًا للحركات المتطرِّفة مثل: إرجون Irgon، وشتيرن Stern، والتي ارتكبت مجازر عديدة بحقِّ الشعب الفلسطينيِّ.
* ويتساءل المرءُ عن دور النواب العرب من فلسطينيي عام 1948م، الذين يُفترض فيهم القيام بمشروع يضاد هذا المشروع الصهيونيّ، ويوضِّح أبعاد سياسته الخطيرة.