Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

شراء الخصوم

يقولون « المال يجلب المال « ظننتها عبارة أو مثلاً التصق بالمفهوم الشعبي عن الغنى والفقر، ليهنأ الغنى بغناه، ويهنأ الفقير بفقره فلا ترتفع عيناه إلى حال لا يستطيع الوصول إليه لأنه يفتقد أهم وسيلة من وسا

A A
يقولون « المال يجلب المال « ظننتها عبارة أو مثلاً التصق بالمفهوم الشعبي عن الغنى والفقر، ليهنأ الغنى بغناه، ويهنأ الفقير بفقره فلا ترتفع عيناه إلى حال لا يستطيع الوصول إليه لأنه يفتقد أهم وسيلة من وسائل الغنى وهي المال بحد ذاته، لذلك يصرف طاقته في إنفاق دخله من الوظيفة مهما كان كبيراً إلا أنه دائماً في خانة محدودي الدخل، هذا ما يؤكده « روبرت كايوساكي « أمريكي من أصل ياباني في كتابه « أبي الفقير أبي الغني Rich Dad Poor Dad « فالعبارة على غلاف الكتاب تحت العنوان « ما يعلمه الأغنياء ولا يعلمه الفقراء لأبنائهم وأفراد أسرتهم عن المال « تؤكد هذه المقولة، أن المال يأتي بالمال، لأن الآباء الفقراء لا يملكون غير حلم تعليم أبنائهم تعليماً جيداً ليترقوا في السلم الوظيفي وكلما ترقوا زاد دخلهم، لكنهم يظلون فقراء، لأنهم ينفقون دخلهم على شراء الخصوم، ولا يعرفون كيف يشترون الأصول بل ربما عمدوا إلى بيعها لفك دين أو التحرر من أزمة مالية داهمتهم لتسديد رسوم أو زواج أو سفر أو أي أزمة من الأزمات المتلاحقة التي يجد الفقراء أنهم وقعوا فيها وقوعاً شرساً فيبحثون عن أي طريقة للخروج ولا يجدون غير الأصول للتضحية بها دون معرفة قيمتها وأهميتها.
كايوساكي يسرد قصته بين أبيه أستاذ الجامعة « الفقير « وبين والد صديقه رجل الأعمال « الغني « مع أن أباه أستاذ جامعي إلا أنه لم يستطع إفادته بنصائح تضعه في خانة الأغنياء، بينما قام والد صديقه رجل الأعمال « الغني « بتقديم نصائح مهمة تعلم منها كيف يحصل على المال ويتكسبه، وهو يرسخ المثل العامي « اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» أي أن تعلم أساليب التجارة عن طريق الأغنياء، وهذا يؤكده الواقع، يمكن أن يصبح العامل البسيط في محل تجاري تاجراً كبيراً، بينما يعجز المتعلم الجامعي عن النجاح في مجال التجارة والوصول إلى مرتبة الأغنياء!
لم يستفد الكاتب من نصائح والده الأستاذ الجامعي لأنه يطمح إلى حصول ابنه على وظيفة مرموقة كما يحلم الآباء من الطبقة المتوسطة والفقيرة، والكاتب هنا يضعهم في سلة واحدة، مبرراً بأن الوظيفة مهما كانت مرموقة إلا أنها لا تحقق الغنى، لأن النفقات تزداد بزيادة المستوى الوظيفي، فالفقير حسب تعريف كايوساكي: « هو الذي تزيد نفقاته عن دخله» أما الغني « هو الذي يزيد دخله عن نفقاته» هي هذه المعادلة التي وضعها الكاتب للتفريق بين الغني والفقير، ولأنه استفاد من نصائح والد صديقه الغني فهو يقدم للقارئ أهم قاعدة مالية « تعلم الفرق بين الأصول والخصوم « ماهي الأصول؟ ومن هم الخصوم؟ يقول: « الأصول هي الأشياء التي تضع المال في جيبك» يعني العقار، الأراضي، الأسهم - لو أنها أصبحت خصومنا إلى يوم الدين لأنها أخرجت المال من جيوبنا وطيرته في الهواء في جيب مين؟ الله أعلم!- لكنه يضع الأسهم ضمن الأصول التي يعتمد عليها في إدخال المال إلى جيبك.
الخصوم هي الأشياء التي تخرج المال من جيبك، حسناً ماهي هذه الأشياء؟ التسوق، الملابس، الأدوات التي لا يمكن استثمارها كالأثاث وحقائب اليد ،الماركات الغالية والأحذية والعباءات كل مناسبة بعباءة، لكن الذهب والعقار والأسهم والأشياء التي يمكن بيعها لا استخدامها هي تلك الأصول التي يجب أن تسعى لشرائها سعياً حثيثاً لتصبح غنياً.
إذاً هذا ما يعلِّمه الأغنياء لأبنائهم، أم أن وجود فائض مالي يعزز فرص الأبناء في شراء الأصول بينما عدم وجود هذا الفائض بل النقص الحاد في المال يعزز فرص شراء الخصوم، على رأي مد رجليك على قد لحافك، أحياناً أنتقد النساء اللاتي يزدحمن في الأسواق الشعبية لأن بضاعتها قابلة للعطب السريع، لكني أفكر بأن هذه السيدة لو وجدت لديها قدرة مالية لشراء حاجتها من أفضل الأنواع لما ترددت لحظة لكنها لا تجد أمامها غير هذه المنتجات سيئة التصنيع لأنها على قد لحافها.
هذه أيضاً إشكالية وزارة التجارة التي تسمح بدخول هذه البضائع الاستهلاكية التي تحرض على شراء الخصوم، لأن العين بصيرة واليد قصيرة كما يقولون، لكن أهم نقطة أشار إليها الكاتب وتجسد معاناتنا قوله : « هل تعد المدارس طلابها للخروج إلى العالم الواقعي والنجاح فيه؟ هل الحفظ والمذاكرة والشهادة والوظيفة المرموقة هي السبيل؟» المهم تعرف على خصومك ولا تدفع فيهم قرشاً، واسعَ لشراء الأصول لتدخل خانة الأغنياء ،هي هذه القاعدة بكل بساطة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store