Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سر الشقاق بين العلماء والاشتقاق!

أَكثَر مِن مَرَّة قُلت- كَما قَال كَثيرون قَبلي-: إِنَّ اللُّغَة كَائنٌ حَيّ، تَتطوَّر وتَكبر وتَموت فِيهَا خَلَايا قَديمَة، وتَنبت فِيهَا خَلَايا جَديدَة، لذَلك مِن صَالح اللُّغَة ومِن صَالحنا؛ أَ

A A

أَكثَر مِن مَرَّة قُلت- كَما قَال كَثيرون قَبلي-: إِنَّ اللُّغَة كَائنٌ حَيّ، تَتطوَّر وتَكبر وتَموت فِيهَا خَلَايا قَديمَة، وتَنبت فِيهَا خَلَايا جَديدَة، لذَلك مِن صَالح اللُّغَة ومِن صَالحنا؛ أَنْ نَستَغل كُلّ مَدخلٍ لتَمرير فِكرَة، أَو لتَوسيع مُفرَدَة، أَو لنَحت كَلِمَة، أَو لتَوليد عِبَارَة..!
إنَّ بَعض عُلمَائنا كَان مُتشدِّدًا، يَنقل الأصُوليَّة الفِقهيَّة إلَى الأصُوليَّة اللُّغويَّة، مِثل شَيخنا «ابن فارس»، صَاحب كِتَاب «القيَاس في اللُّغَة»، حَيثُ يَقول: (لَيس لَنَا اليَوم أَنْ نَختَرع، ولَا أَنْ نَقول غَير مَا قَالوه)..!
هَذا الكَلام لَم يعجب أُستَاذنا الشَّاعر الفَحل؛ «معروف الرصافي»، حَيثُ قَال في كِتَابه «الآلَة والأدَاة»: (لَو كَان كَلام «ابن فارس» حَقًّا، فكَيف جَاز للمُولِّدين أَنْ يَقولوا «تَبَغْدَد»، أي انتَسَب إلَى بَغدَاد، أَو تَشبَّه بأَهلها قِيَاسًا عَلى قَول العَرب: «تَمعدد وتَمضّر وتَنزّر»، مَع أَنَّ كَلِمَة «بغداد» لَيست مِن المَصادر، بَل مِن الجَوامِد التي يَتوقَّف فِيهَا الاشتقَاق عَلى السّماع؟، وقَد أَثبَت عُلمَاء اللُّغَة «تَبَغْدَد» في مَعاجمهم، ولَم يُنكروها عَلى المُولِّدين.. وكَيف للمُولِّدين أَيضًا أَنْ يَقولوا: «فذْلك الحِسَاب فَذلَكة»، نَحتًا مِن قَولهم، فذْلك العَدد كَذَا وكَذَا؟، والنَّحت ضَرْبٌ مِن الاشتِقَاق، وقَد أَثبَت عُلمَاء اللُّغَة «فذْلك» ولَم يُنكروها)..!
ونَظرًا لأنَّني عَالِمٌ صَغير فِي عَالَم كَبير، فقَد بَدأتُ أُولِّد وأَشتقُّ مُفردات جَديدَة، فمَثلًا قُلت- حَفظني الله-: تَجدّد الرَّجُل أَي استَوطن جُـدَّة، وتَقَصْمَن الرَّجُل أَي انتَقَل إلَى القَصيم، وتَريّض الرَّجُل أَي انتقَل عَمله إلَى الرِّيَاض، وتَمدْيَن الرَّجُل أَي أصبَح مِن سُكّان المَدينة المُنوَّرة.. وعَلى ذَات «الدّوزان» نَستطيع أَنْ نَقول: تَفوَّل الرَّجُل أَي صَار مِن عُشّاق وَجبة الفُول..!
حسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نَقول: مِن حَقّكم -كَما هو مِن حَقّي- أَنْ تَتعَاملوا مَع اللُّغَة عَلى أنَّها كَائنٌ حَيّ، يَتمدّد ويَتطوَّر وفق مُتغيِّرات العَصر، فمَثلًا لَو قَال أَحدُهم: تَعرْفَج فُلان أَي أنَّه يَقرَأ للعَرفج، وتَعكّظ أَي صَار مِن زوَّار سوق عُكَاظ، وتَجَنْدَر أَي أَنَّه أَصبَح مُواظِبًا عَلى حضُور مَهرجان الجنَادرية، وعَلى ذَلك يُمكن قِيَاس اشتقَاقَات كَثيرة..!!.
A r f a j 5 5 5 @ y a h o o .c o m

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store