Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

النأي.. عن التعصُّب للرأي!

الإنسَان كَائِن يَنمو ويَتغيَّر مَع الوَقت، لَيس عَلى نِطَاق الجِسم فَقط، وإنَّما العَقل والتَّفكير والإدرَاك، لذَلك أَنَا حَذِر دَائمًا مِن التَّعصُّب لفِكرة أَتبنَّاها، أَو إلزَام النَّاس بِهَا،

A A

الإنسَان كَائِن يَنمو ويَتغيَّر مَع الوَقت، لَيس عَلى نِطَاق الجِسم فَقط، وإنَّما العَقل والتَّفكير والإدرَاك، لذَلك أَنَا حَذِر دَائمًا مِن التَّعصُّب لفِكرة أَتبنَّاها، أَو إلزَام النَّاس بِهَا، ومُحاولة إقنَاعهم بأنَّها هي الصَّوَاب، الذي لَا يَأتيه البَاطِل مِن بَين حرُوفه؛ ولَا مِن خَلف كَلِمَاته..!
لقَد كَان أَسلَافنا الأَوائِل مَدرسة فِي هَذا النَّهج، ومَن يَتتبَّع سِيرة العُلَمَاء، مِثل «الشَّافعي» -بدَرجة أَقلّ- والإمَام «أحمد» -بدَرجة أكبَر- يَجد أنَّهما لَم يَتكبَّرا أَو يَتعَاليا عَلى الحَقّ، فـ»الشَّافعي» -مَثلًا- عِندَما انتَقَل مِن العِرَاق إلَى مِصر، أَعَاد النَّظر فِي مَذهبه الأوَّل، أمَّا الإمَام «أحمد بن حنبل»، فَقَد كَانت لَه في المَسأَلَة الوَاحِدَة أَكثَر مِن رَأي، وهَذا بسَبب النّمو الفِكري، والعثُور عَلى أَدلّة جَديدة تُسقط أَدلّة قَديمَة..!
سُئل أَحَد الفَلَاسِفَة: «هَل أَنتَ مُستعد أَنْ تَموت مِن أَجل أفكَارك»؟، فقَال: لَا، وحِين سُئل عَن السَّبَب؟، قَال: «لأنَّني وَاثقٌ مِن حيَاتي، ولَستُ وَاثقًا مِن أفكَاري»..!
أكثَر مِن ذَلك، مَن يَقرأ في سِيَر العُلَمَاء، يَجد أنَّهم يُراجعون أَنفسهم، ويُعيدون النَّظَر مَرَّة بَعد مَرَّة في المَسَائِل الفِقهيَّة والاجتهَاديَّة، ويُغيِّرون آرَاءهم وفق مَا يُستجدّ مِن حَقَائق ومَعلُومَات، وأدلّة وإثبَاتَات..!
لقَد لَام بَعض النَّاس؛ الشَّاعِر العِرَاقي الكَبير «أحمد الصافي النجفي»، عَلى تَناقُضَاته في الشِّعر، فاعترَف بِهَا وقَال بَيته الشَّهير:
أُنَاقِض نَفسِي فِي أمُورٍ كَثيرةٍ
ومُعظَم أَشعَاري عَليَّ شَواهِد
إنَّني -وأَنَا بكَامل قوَاي العَقليَّة- أُخَالف الشَّاعر الكَبير -شَاعر الأُمرَاء، ولَيس أَمير الشُّعرَاء- «أحمد شوقي» حِين قَال:
قِفْ دون رَأيِك فِي الحيَاةِ مُجَاهِدًا
إنَّ الحيَاةَ عَقيدةٌ وجِهَادُ
وأَتّفق - وأَنَا بكَامِل قوَاي العَقليَّة- مَع الشَّاعر «إيليا أبوماضي» حِين قَال:
مَا قِيمَة الإنسَانِ مُعتَقِدًا
إنْ لَم يَقُل للنَّاسِ مَا اعتقَدَا
نَعم، أنَا مَع التَّصريح بالرَّأي والجَهَر بِه، ولَكن مَع تَبنِّي نَظريَّة «الشَّافعي» حِين قَال: (رَأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورَأي غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّواب)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ نَقول: سَألني طَالب عِلْم قَائلًا: يَا عَامِل المَعرفة، بمَاذا تُوصيني؟، فقُلتُ لَه: أُوصيك - ونَفسي- أوَّلًا بتَقوَى الله في السِّرِّ والعَلَن، ثُمَّ أُوصيك بَعد ذَلك بأنْ لَا تَتعصَّب لأفكَارك، لأنَّك بالتَّأكيد ستَنمو وتَكبر وتَتجَاوزها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store