Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

ارتداداتٌ لا متناهية لآفاتِ الكراهيةِ

أَكثَر مِن مَرَّة، أَكَّدتُ أَنَّ الإنسَانَ الكَاره لنَفسه والكَاره للحيَاة، والمُمتلئ بالعُقَد النَّفسيَّة، يَضرُّ نَفسه قَبل أَنْ يَضرَّ غَيره، لأنَّه يُدخلها في دَائرة مِن السّجون الوَهميَّة، ويُقي

A A
أَكثَر مِن مَرَّة، أَكَّدتُ أَنَّ الإنسَانَ الكَاره لنَفسه والكَاره للحيَاة، والمُمتلئ بالعُقَد النَّفسيَّة، يَضرُّ نَفسه قَبل أَنْ يَضرَّ غَيره، لأنَّه يُدخلها في دَائرة مِن السّجون الوَهميَّة، ويُقيِّدها بالحِبَال والحَواجِز التي تَمنعه مِن استشرَاف الأَمَل، ومُعَانقة النَّجَاح والفَلَاح..!
وحَتَّى يَكون الكَلام عِلميًّا، ويَأخذ الطَّرح سَبيل الجديَّة، دَعونا نَستَشهد بكَلامِ وَاحد؛ مِن أَهمِّ أَسَاتذة عِلم الاجتمَاع، وأَعنِي بِهِ الدكتور «علي الوردي»، حَيثُ يَقول في كِتَابهِ «خَوارق اللاشعور أَو أَسرَار الشَّخصيَّة النَّاجِحَة»: (رُبَّما صَحَّ القَول بأَنَّ الفَرد كُلَّما قَلَّت عُقَده النَّفسيَّة، كَان أَقدَر عَلى الانتفَاع مِن قُوَاه الخَارِقَة، فالفَرد الذي امتَلَأت نَفسه بالعُقَد، والرَّغبَات المَكبوتَة، يَصعب عَليه النَّجَاح في مُعاملته مَع النَّاس، ذَلك لأنَّ قُوَاه الخَارِقَة لَا تَكون إذ ذَاك نَقيَّة، أَو حُرَّة في عَملِهَا، فهي قَد تَتلوَّث وتَختلط بِمَا يُتَاخمها مِن العُقَد، والعَواطِف المَغلُوطَة، وبذَلك يَضيع عَلى صَاحبها مَا تَنتج مِن كَشفٍ مُبدعٍ، أَو إنجَازٍ رَائع)..!
أَمَّا أَنَا، فقَد تَدبَّرتُ وتَأمَّلتُ وقَرَأتُ سِيَر النَّاجحين، فوَجدتُ بَينها كُلّها رَابِطًا وَاحِدًا، وهو أَنَّ أَصحَاب النَّجَاح قَد تَساموا عَلى عُقَدهم وتَجاوزوها، وأُصيبوا بِمَا يُسمَّى «غَفلة الصَّالحين»، وانشَغلوا بعِلْمِهم عَن الانشغَال بالنَّاس، مُطبِّقين نَظريَّة المُفكِّر المُهمِّ «علي شريعتي»، حِين قَال: (لَئِن يَنشَغل الإنسَان بإدخَال نَفسه الجنَّة، خَيرٌ مِن أَنْ يَنشَغل بإدخَال الآخَرين النَّار)..!
لقَد صَدق شَيخنا «علي الوردي»؛ حِين أَضَاف في نَفس الكِتَاب قَائلاً: (إنَّ الفَردَ المُعقَّدة نَفسه، يَكره ويُحبُّ عَلى غَير أَسَاس صَحيح، إنَّه يَجري وَرَاء عَواطفه المَكبوتَة، ولِذَا فهو لَا يَستَطيع أَنْ يَفهم حَقَائِق النَّاس، أَو يَتَغَلْغَل في أعمَاق نفوسهم، إنَّه قَد يَميل نَحو الأدنيَاء، ويَنفر مِن الأَكفَاء، فيَحفر بذَلك قَبره بنَفسِهِ، ويَسعَى إلَى حَتفه بيَده)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي إذَا قُلنَا إنَّ الشِّعرَ مُفيدٌ فِي أَحيانٍ قَليلَةٍ، فلَن نَكذب، ومِن هَذه الفَوائِد، أَنَّ النَّظريَّة القَائِلَة بأنَّ العُقَد النَّفسيَّة تُعيق النَّجَاح والفَلَاح، لَخّصها الشَّاعِر الجَاهِليّ «عنترة العبسي» حِين قَال:
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ
ولا ينالُ العُلى مَن طَبعهُ الغَضَبُ!!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store