Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الظانُّون باللهِ ظنَّ السَّوءِ

في سورة الفتح، يقولُ الله عزَّ وجلّ متوعِّدًا: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَ

A A
في سورة الفتح، يقولُ الله عزَّ وجلّ متوعِّدًا: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
ولأنَّ العبرةَ بعموم اللفظ، لا بخصوصيَّة السبب، فإنَّ التوصيفَ الوارد هنا بشأن المنافقين والمنافقات (وقد قُدِّموا على المشركين والمشركات)، هو ظنُّهم باللهِ ظنَّ السَّوءِ. وظنُّ السَّوءِ هذَا يتشكَّل حسب الزمان والمكان، ويصدر عن المنافقين والمنافقات في عصورٍ مختلفة، وبأنماطٍ وأشكالٍ مختلفةٍ. وقد لا تلفظه الألسن بوضوح، لكن لحن القول لا يقوى على إخفائه كليَّةً، بل وفي عصرنا الحاضر، قد تقرأه بين الأسطر، أو تلحظه في تغريدة، أو تكتشفه في تعليق.
في أيَّامنا هذه تتكرَّر مقولات العهد الأول، في صدر الإسلام، إذ ردَّد المنافقون آنذاك: (لو أطاعونا ما قُتلوا...)، يعنون بهم شهداء حلب -رجالاً، ونساءً، وشيوخًا، وأطفالاً، تشتمُّ منهم روائح مزكمة، مشبعة بالشماتة، وتسمع منهم ألحانًا نشازًا مليئة بالبُغض، والحِقد، والسفالة. وآخرون يُردِّدون مقولة الكُفر البوَّاح: (ما وعدنا الله ورسوله إلاَّ غرورًا) استهزاءً بوعد الله ونصره وفضله -والعياذ بالله-، لا يؤمنون إلاَّ بطائرة تقصف وتقتل، وصاروخ يقذف ويفتك، ودبابة تُهاجم وتُدمِّر، ومدفع يحرق ويهلك. هؤلاء ربما طارت قلوبهم فرحًا كلَّما دُمِّر مبنى على أهله، أو دُكَّ مسجدٌ بمن فيه، أو سُوِّي مشفى بالأرض وقُتل مَن فيه.
ويبلغ ظنُّ السَّوءِ بالله مبلغه عند فئام من أصحاب القلوب المريضة، لا ترى منجى، ولا ملجأ من الغرب، أو الشرق، إلاَّ إليه، يثنون على كلِّ حسناتهم وسيئاتهم، سواء بسواء، بل لا يرون فيهم سيئة، ولا يلصقون بهم إلاَّ الحسنات، بالرغم من كل الويلات التي تعاني منها البشريَّة اليوم على كل المستويات الإنسانيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة، وغيرها.
اقتصاد العالم -اليوم- يعاني من ديون لا حصر لها، تنذر بانهيار دول، وعلى رأسها الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر، والليبراليَّة المنفلتة، تُبشِّرنا بنماذج من الشذوذ الفكريِّ والجنسيِّ والأخلاقيِّ والاجتماعيِّ.
وعلى المستوى الإنسانيِّ تكفي نماذج البوسنة والشام والعراق وأفغانستان لتُدلِّل على فشلٍ ذريع، وتخبُّط كبير.
ألا شاهت وجوه الظَّانِّين باللهِ ظنَّ السَّوءِ. وكفى بوعيد الله لهم، مصير السّوء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store