Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

لا.. لن يتحقق السلام!

نجح الإسرائيليون في تحويل موضوع محادثات السلام من البحث عن كيفية قيام الدولة الفلسطينية، وإعادة الأراضي إلى مَن تم اغتصابها منهم إلى قضية بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967

A A

نجح الإسرائيليون في تحويل موضوع محادثات السلام من البحث عن كيفية قيام الدولة الفلسطينية، وإعادة الأراضي إلى مَن تم اغتصابها منهم إلى قضية بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والحديث عمّا إذا كان سيتم إيقافها أم لن يتم ذلك.. وهو تكتيك نجح الإسرائيليون فيه منذ أن بدأ الحديث عن الدخول معهم في مباحثات سلام.. إذ في كل مرة تبدأ المحادثات يُدْخِلون المفاوضين الفلسطينيين في متاهة بعيدة عن الغرض الذي يتفاوض عليه المتفاوضون، وهم بذلك يؤكدون نواياهم في أن لا تتم مفاوضات جادّة، ويكشفون عدم جديتهم في البحث عن سلام في المنطقة، ورغبتهم في إبقاء الشرق الأوسط رهينة لمخططاتهم ومشاريعهم التي لم تكتمل بعد. إسرائيل مرتاحة إلى الوضع الذي تجد نفسها فيه، فالتحديات العربية لا وجود لها، وهم ينطلقون في إقامة القلعة العسكرية الخاصة بهم داخل المنطقة، اعتقادًا منهم بأن القوة العسكرية التي يتمتعون بها في الوقت الحاضر سوف تضمن لهم الأمن، وتتيح لهم الاحتفاظ بما شاؤوا من الأرض العربية، لمئات السنين المقبلة. ويتجاهلون أنهم بهذا المنطق إنما يحكمون على أنفسهم بالضياع. ويسارع الأمريكيون دائمًا إلى الاستسلام للرغبات الإسرائيلية في أن ينفردوا بإدارة مفاوضات السلام، وتجاهل القوى الدولية الأخرى، أكانت روسيا أو غيرها، بما في ذلك الدول الأوروبية التي يقولون إنها حليفة وصديقة لهم.. فالمفاوض الإسرائيلي يطمئن إلى الراعي الأمريكي، الذي يعتقد الإسرائيليون أنه بإمكانهم تحديد طريقة إدارته للمفاوضات عبر تأثيرهم الحالي غير المحدود على صنّاع السياسة في أمريكا، أكان الجهاز التشريعي، أو التنفيذي، أو الأجهزة الإعلامية التي يسيطر عليها أصدقاء إسرائيل. والملاحظ اليوم، وخلال جولة المفاوضات الحالية، أن هناك قوى عربية تسعى لتوحيد المواقف العربية، أكان عبر تقليص الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية، أو الاختلافات العربية - العربية، مستهدفين بذلك تقديم صورة عربية للراعي الأمريكي، تشير إلى أن العرب نجحوا في تقليص خلافاتهم لإعطاء فرصة لهذا الراعي الذي يقف على رأسه باراك أوباما صاحب النوايا الحسنة كما يرون، لإيصال المفاوضات إلى بر النجاح، وحرمان الإسرائيليين من القول بأنه لا يوجد شريك لهم في مسيرة السلام على الجانب الفلسطيني. ولكن إسرائيل غير مستعدة ولا راغبة في السلام، وهي تعلم أن الراعي الأمريكي عاجز عن أن يحقق النقلة المطلوبة لمحادثات السلام، بحيث تتحول من الهزل (الذي هو طابعها الآن) إلى الجد.. فهي لقّنت الرئيس الأمريكي وإدارته درسًا قاسيًا في عدم تجاوز الخطوط التي تضعها لهم، وتجاهلت وسخرت من كل ما قاله الرئيس الأمريكي الجديد في جامعة القاهرة، وكل التصريحات والنداءات الأمريكية التي وجهت لها بإيقاف استيطان الأراضي العربية، وعدم المضى في مسيرة تغيير طابعها، واستسلم في نهاية الأمر الراعي الأمريكي لإملاءات إسرائيل، وبحث لنفسه عن دور متواضع يقوم به اليوم في رعاية مفاوضات لا تبشر بأي نجاح. نعود إلى القول أن لا قيمة للعرب إن لم يسعوا إلى بناء أنفسهم، ونحن لا نتحدث عن بناء عسكري، إذ إن السلاح نستورده من الخارج، كما أن الحماية العسكرية التي توفرها أمريكا، والمجتمع الدولي للكيان الإسرائيلي تجعل من أي مسعى عسكري ضد هذا الكيان مغامرة انتحارية، إذ سيجد العرب أنفسهم في مواجهة كل هذه القوى الداعمة له عسكريًّا، والمستعدة لنجدته، ولازالت تجربة مصر فى حربها ضد إسرائيل عام 1973باقية في الذاكرة حين أنشأ الأمريكيون جسرًا جويًّا ضخمًا إلى شرم الشيخ المحتلة حينها، بعد الهزيمة الإسرائيلية الأولية أمام الجيش المصري، نقلت عبره كميات هائلة من السلاح، وأرسلت خلاله مقاتلين (تطوّعوا) للقتال ضمن الجيش الإسرائيلي. البناء الذي سيعطي قيمة للعرب، هو بناء الإنسان العربي، وتطوير اقتصاده، بشكل يجعل من الداخل العربي قوة متماسكة، تتوفر لها وسائل اقتصادية ضخمة (لازال جزء لا يستهان بها لم يستغل بعد)، ويضعها في مصاف الدول المتقدمة، ممّا سيحوّل إسرائيل إلى مجرد كيان ثانوي وسط محيط عربي قوي قادر على الصمود والتأثير.. وستتوفر حينها قدرات عسكرية عربية تستطيع الصمود والدفاع والهجوم يحسب لها الإسرائيليون وحماتهم حسابًا آخر.. ومثل هذا الأمر يتطلب إعادة نظر في الإستراتيجية العربية تجاه النزاع على فلسطين، نقبل به أن ننتظر بضع سنين، طالت أم قصرت، يكون همّنا خلالها بناء الداخل العربي لا إطلاق التصريحات العنترية، بل مرحلة تتميز بالعمل والبناء الداخلي للإنسان العربي في بلاده.. فهل نجد بيننا مَن يسمع؟ ومَن يعمل؟ ومَن يخطط؟ وهل تتوفر الإرادة لذلك؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store