Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

جريمة تركيا بين المطعم والملهى

الإرهابُ لا يعرفُ دينًا، ولا ملِّةً، ولا لغةً سوى لغةِ الدَّم، والتفجير، والقتل، والبطش، والإرهابيون لا غايةَ لهم إلاَّ سفك الدماء، وترويع الآمنين، ونشر الرعب في المواقع التي يوجدون فيها، حتَّى يتم

A A

الإرهابُ لا يعرفُ دينًا، ولا ملِّةً، ولا لغةً سوى لغةِ الدَّم، والتفجير، والقتل، والبطش، والإرهابيون لا غايةَ لهم إلاَّ سفك الدماء، وترويع الآمنين، ونشر الرعب في المواقع التي يوجدون فيها، حتَّى يتمكَّنوا من فرض سيطرتهم عليها، وعلى مَن فيها، وهذا ما دأبت عليه الجماعات الإرهابيَّة في مختلف أنحاء العالم.
يقف البعض من هذا الإرهاب، والذي عانت منه معظم دول العالم بشكلٍ عام ودول الشرق الأوسط بشكلٍ خاص، موقفًا غريبًا، إذ يعمدون إلى ترك الإرهابيين وجرائمهم، والتشكيك في الدوافع التي أدَّت إلى تلك الأعمال الإرهابيَّة، وتجنُّب فضحهم، والمطالبة بمحاسبتهم، والتركيزعلى الضحايا والأرواح التي خلفت عقب كل جريمة إرهابيَّة، ومعرفة تفاصيل كل ضحيَّة، والتحقيق في سبب وجودها في مكان الحادث، والأسباب المحتملة التي أدَّت إلى تعرُّضها لذلك الإجرام؛ ممَّا أدَّى إلى وفاتها.
مؤخَّرًا، وعقب الجريمة الإرهابيَّة النكراء، التي وقعت في إسطنبول، وذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء من عدد من دول العالم، تفرَّغ بعضُ الناس لدينا في البحث خلف أسباب وجود بعض الضحايا في ذلك المكان، وخصوصًا من أبناء وبنات الوطن، وعمد البعض إلى الدخول في تفاصيل تحديد موقع الجريمة، وطرح استفسارات أقلّ ما يمكن أنْ تُوصف به أنَّها استفسارات تافهة، ورخيصة، خصوصًا ما يتعلَّق بهوية المكان الذي وقعت فيه الجريمة البشعة، والسؤال ما إذا كان ملهى ليليًّا، أم مطعمًا مشهورًا؟، وقد أعقب مثل هذه الأسئلة الدخول في تحديد نوايا الضحايا، وأسباب وجودهم في ذلك المكان، وصلة القرابة بينهم، وغيرها من توافه الأمور التي تمَّ تداولها في وسائل التَّواصل الاجتماعيَّة، بل تمادى البعض لما هو أبعد من ذلك، ليشير من طرفٍ خفيٍّ بأنَّ هذه عاقبة الوجود في مثل هذه الأماكن، دون أيِّ تقديرٍ أو إحساس بمشاعر ذوي الموتى -رحمهم الله-.
للأسف الشديد، إنَّ بعض أفراد المجتمع، وخصوصًا ممَّن يُفترض في بعضهم أن يكونوا قدوات، أصبحوا لا يحترمون ولا يُقدِّرون أيَّ مشاعر أو أحاسيس، خصوصًا في أشدِّ اللحظات وأقساها، وهي لحظات الموت، وفقد أحد الأبرياء، فبدلاً من الدعاء بالرحمة والمغفرة لمن توفَّاهم الله، وقُدِّر لهم أن يكونوا في مكان تلك الجريمة الإرهابيَّة، عمد البعض إلى التحقيق في النوايا والاستفسار عن الأسباب، وكأنَّهم -والعياذ بالله- يُقسِّمون رحمة الله بناءً على تحليلاتهم، ويحكمون على من مات بجنةٍ أو نارٍ.
أسألُ اللهَ أن يغفرَ ويرحمَ الموتى الذين اغتالتهم يدُ الإرهاب، وأنْ يجعلَ مثواهم الجنَّة، وأنْ يلهمَ ذويهم الصبرَ والسلوان، وأنْ يصلحَ أحوال المجتمع.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store