Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

احذروا ما أنتم مقبلين عليه !

يدخل السودان مرحلة جديدة في حياته السياسية بالاستفتاء المنتظر يوم التاسع من يناير (بعد حوالي شهرين) حول مصير جنوب السودان..

A A

يدخل السودان مرحلة جديدة في حياته السياسية بالاستفتاء المنتظر يوم التاسع من يناير (بعد حوالي شهرين) حول مصير جنوب السودان.. لم يختر السودانيون إجراء هذا الاستفتاء، ولم يكن في نيتهم فعل ذلك، لكن الحروب التي خاضوها فيما بينهم، والتي لم تحسم نصرًا لأحد فرقائها، والتي أدت إلى تسلل ثم الدخول القوي لعناصر أجنبية من أوروبا وأمريكا وإفريقيا، كان من نتيجتها أن دخل النظام الدولي ممثلًا (بالوسيط الأمريكي) ليقنع حكومة السودان، التي استخدمت ضدها مختلف وسائل الترغيب والتخويف والعقاب، بالقبول بإجراء استفتاء يقرر عبره الجنوبيون فيما إذا كانوا سيبقون ضمن الدولة السودانية أو ينفصلون عنها ويقيمون لأنفسهم كيانًا إفريقيًا جديدًا.ويعيش السودان اليوم مرحلة قلق وترقب بالرغم من معرفة الجميع أن القرار الدولي هو إتاحة الفرصة لانفصال الجنوب رغمًا عن أن أمورًا كثيرة لم تبت، سواء أكان في موضوع الحدود أو الثروات الطبيعية أو حتى إقامة أجهزة الدولة الإقليمية في الجنوب، وصرفت بلايين الدولارات خلال السنين القليلة الماضية لدعم الوضع الإقليمي الجنوبي، وتقاطر الداعمون والمستشارون من مختلف أنحاء العالم الغربي، منظمات وأفراد، إلى مناطق الجنوب السوداني للمساعدة في إقامة الدولة السودانية الجنوبية حتى قبل أن يجري الاستفتاء وتعرف نتائجه.الانفصال المتوقع لجنوب السودان سيُدخل النظام السوداني في دوامة من المشاكل مع الدولة الانفصالية الجديدة، في الوقت الذي يتوقع أن يتعاظم فيه التدخل الأجنبي في دارفور لصالح زيادة القلاقل والمعارك ضد الدولة السودانية تمهيدًا لتهيئة السودان لانفصال آخر، وتقطيع أجزاء هذه البلاد الإسلامية العربية. الأمر الذي يقدم المزيد من المبررات لمن يعتقدون أن هناك مؤامرة لتمزيق وإعادة تركيب منطقة الشرق الأوسط كجزء من إلغاء احتمالات أي مخاطر قد يُشكّلها مستقبلًا عالم إسلامي ضخم مترامي الأطراف، وقبل أن تنمو له أدوات قوه يفتقدها في الوقت الحاضر تهدد «النظام الدولي» القائم حاليًا، والذي يحذر منه مراكز دراسات أمريكية وأوروبية منذ أن سقط الاتحاد السوفيتي.والملاحظ أن أولئك الذين يحذرون من مخاطر المؤامرات الدولية يتحولون إلى أدوات للمؤامرات التي يحذرون منها، فالفتنة السنية - الشيعية هي أداة قوية ومدمرة يرغب من يُفكِّر في ضرب المسلمين وتمزيقهم باستخدامها.. ونشاهد الأمريكيون يغرون الإيرانيين بمزيد من النفوذ والتمركز في العراق عبر استخدام أساليب مذهبية (بتغليب بعض العناصر الشيعية في المجتمع العراقي التي يعتقد أنها موالية لإيران)، ويسارع الإيرانيون لمساعدة الأمريكيين على تأمين انسحابهم الجزئي من العراق بأقل قدر من المخاطر.. كما أنهم يسعون للاستفادة من التعاون الأمريكي معهم في أفغانستان بأقصى حد ممكن.. بل تجدهم يدخلون في مغامرة خطيرة في لبنان عبر (حزب الله) اللبناني بتصعيد المواجهة السنية - الشيعية، طمعًا في أن يستولي الحزب على مقاليد الحكم هناك مباشرة أو عبر أدوات خاصة به مسيحية وغير مسيحية (أبرزها الطموح الدائم بالرئاسة لميشال عون).. متجاهلين أن التمدد خارج حدودهم بالشكل الاستفزازي الذي يتم به الآن لن يكون في صالح إيران ولا المسلمين شيعة وسنة.. وأكبر دليل على مخاطر الخلاف المذهبي ما تشهده باكستان من تفجيرات دموية متبادلة بين السنة والشيعة فيها، إلى جانب ما يحدث في العراق بالطبع، وسقوط المئات من الضحايا المسلمين في هذه المعارك المذهبية غير المنطقية.تمزيق المجتمعات العربية سواء أكان على أساس مذهبي أو عبر الخلاف بين المسيحيين العرب والمسلمين في أكثر من وطن عربي لن تتوقف ما لم يسود العقل والحكمة أكثر من طرف.. فحتى مصر أصابتها عدوى الخلاف باسم الدين ونجد شخصيات لامعة إسلامية ومسيحية تتبارى بحثًا وتشهيرًا في عيوب الآخر، وتعلن مواقف لا تؤدي إلا إلى مزيد من التباعد بين أقباطها ومسلميها، بحجة يستخدمها الطرفان في آنٍ واحد وهي أنه لا يجوز السكوت عن تجاوزات الطرف الآخر.الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط الكبير مسؤولة أولًا وقبل كل شيء عن الابتعاد عن المزايدات والسعي لدعم جبهتها الداخلية حماية لمواطنيها ولنفسها، كما أن هذه الأنظمة مدعوة إلى البحث عن حد أدنى من التعاون والتكاتف فيما بينها ولجم رغباتها في الامتداد والتوسع خارج حدودها أو البحث عن نفوذ لها خارج هذه الحدود إذ لن يكون مثل ذلك في صالح حماية المنطقة من مؤامرات التمزيق القائمة على قدم وساق.وقد يكون السودان أحد المناطق التي يمكن للتكاتف العربي الإسلامي، المأمول فيه أن يبرز للمحافظة على وحدة أرضه أو ما سيتبقى منها، ودعم اليمن في تحسين فرص صموده أمام التفكك المتوقع، والبحث الجدي عن حل لما يجري في الصومال، ولما يعانيه باكستان من سوء الإدارة وفقدان الاستقرار، وما يفتقده العراق من دولة وإحساس وطني، ووقف المهازل التي يمارسها اللبنانيون على بعضهم البعض، والمؤدية إلى تمزيقه بأيديهم لا بأيدي الغرباء.. ومثل هذه الأمور لن تتم ما لم تكن إرادة البقاء للنظام العربي والإسلامي أقوى من أطماع التسلط والمصالح الضيقة، لأن المطلوب محاربة إغراءات الذات وتقديم التنازلات للوصول إلى الصمود المطلوب في وجه ما يخطط له الآخرون من تمزق للبلاد والعباد في كل هذه المناطق الشرق أوسطية.. نحن نأمل وندعو، فلعل وعسى أن يتحقق ما افتقدنا الأمل في تحقيقه.ص. ب: 2048 جدة 21451adnanksalah@yahoo.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store