Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«وحملها الإنسان»

No Image

A A
هي: خذها أنت

هو: بل خذيها أنتِ

هي: ربِّها أنت

هو: بل ربيِّها أنت فأنا أب وليست هذه مسؤوليتي، أنت أمها، وواجبك أن تربيها، وتعلميها.

هي: هذا دورك أنت، فأنت أبوها، مسؤول عن رعايتها وكسوتها وواجبك أن تعول وتنفق.

كانت تلك مزايدة لما سيحل بالطفلة بعد انفصال والديها.. سمعتهما تلك الصغيرة، وأدركت من حينها أن أمرًا ما سيمس مستقبلها ويزعزع استقرارها.

انتقلت تلك الصغيرة، لتعيش في كنف جدتها الكبيرة، التي حاولت جاهدةً أن توفر لها وسائل الراحة، أن تحتضنها وتعوضها عن انسحاب والديْها، غير أن فارق السنِّ كبير وعبء الدراسة ثقيل ومتطلبات الطفلة تزيد.

بأي ذنبٍ تُرِكت هذه الطّفلةُ لتشُقّ طريق الحياة بمفردها؟ لتستيقظ من نومها فجأةً خائفةً فتُهَروِل من فوق سريرها باحثة عن أُمٍّ لتحتضنها، فلا تجدها.. لتُخبرها عن احتفالٍ في مدرستِها سيُقام وسيَحضُرُ فيه كلُّ الأمهات، فتعدها بالمجيء، فتنتظرُها ثم لا تجدها.. لتبوح لأبيها عن شوقها إليه وعن رغبتِها في أن يصطحبها إلى شاطئِ البحرِ، لتلعب معه، لتركض خلفه، لتبني معه قصرا من الرمال، وتسكن فيه معه هناك، حلمٌ كباقي الأحلام.. ليُسمِعها أُهزوجةً ويُركِبَها أُرجوحةً، ليدفعها عاليًا إلى الأمام، ويرمي بهمومِها للوراء، ليُريها نجومَ السّماء ويُخبرُها بأنّها نجمة، ولكن ليست كباقي النّجمات، ليَبُثّها أشواقًا ويُشبعها أحضانًا، فيعدها بالمجيء، فتفرح وتنتظره بشوق، ثم لا يأتي، نسيَ ولم نجدْ له عزمًا.

في أحلك المواقفِ لا تجدهما، تراهما مرّةً بين الفينة والفينة ليَقضِيا معها ساعاتٍ معدودة، فيُهديانِها لُعبةً، ويطبعان على جبينها قُبلةً.

مسكينةٌ تلك الصغيرة، كم تعاني، كم تقاسي، كم تحلمُ بدفء أُمِّها وكم تشتهي حضن أبيها! كم هو مُؤلمٌ حاضرُها، مُحزِنٌ واقعُها! لطالما سألت نفسها، لم أنا فقط من بين أقراني؟ لعلها وبخت نفسها يومًا قائلةً، ليتني لم أُخلق، ليتني لم أُنجب.

أهكذا تؤدى الأمانة؟ أهو غيابٌ في الحضور؟ أم موتٌ في الحياة؟ أهو هُروبٌ من المسؤوليات، أم تَضييعٌ للأمانات أم خَللٌ في الأولويات، فاعتمادٌ على المُرَبِّيات فانشغالٌ بالأصدقاء، بالسهرات، بالسفريات.

غدا تكبر، تُراهِق، تَتزوّج، تُنجِب، فتتوقان حينها للقُرب، وتذكران بأنّكما أبٌ و أمٌ، ولكن هل يكون إلا ما زرعَتْه أيديكما، شجرةٌ حُرِمَت السّقاء دهرًا، فكيف تُعطي أطيب الثّمر!!

الأمومةُ نعمةٌ جميلةٌ وُهبناها فلم بِحَقِّ الله استثقلناها وضيّعناها؟!

هؤلاء هم أبناؤنا، فلذاتُ أكبادِنا، قطعةٌ من أرواحِنا، لنشبعْهم حُبًا، ولنُضحّ من أجلهم عمرًا.. لنهبهم قلوبنا وأرواحنا وأوقاتنا، ولْنَصنع من حاضرهم كنزًا لمستقبلهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store