Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن سعد العرابي

النادي المسيحي..!

A A
التوترُ الأخيرُ بين تركيا ودول أوروبا الوسطى والشماليَّة، على خلفية منع هولندا وزير خارجيَّة تركيا مولود جاويش أوغلو، ووزيرة الأسرة فاطمة سابان كايا، أحدث ردود فعل متباينة في كلٍّ من تركيا، وأوروبا.

فالساسة الأتراك رأوا فيما حدث نوعًا من الاستهزاء بهم، وتقليلاً من شأنهم، وانتقاصًا من كونهم عضوًا في حلف الناتو، ولهذا خرجت تصريحاتهم قويَّة وحازمة إلى حدِّ الاتِّهام، فالرئيس رجب طيب أردوغان وصف المنع الهولندي: بـ»فلول نازيين وفاشيين»، في حين هدَّد رئيسُ وزرائه علي يلدريم: «بأنَّ أنقرة ستردُّ بأشد الطرق»، إضافة إلى تعليق الحكومة التركيَّة لعلاقاتها الدبلوماسيَّة مع هولندا. كما توالت ردود الفعل الشعبيَّة التركيَّة داخل تركيا وخارجها، حين هاجم محتجُّون القنصليَّة الهولنديَّة في استانبول، واستبدلوا بالعلم الهولندي، العلم التركي، وفي روتردام الهولنديَّة خرج آلاف الأتراك رافعين أعلام بلدهم احتجاجًا على ما قامت به الحكومة الهولنديَّة.

في المقابل كانت ردود الفعل الهولنديَّة بقدر ما تبدو باردة، بقدر ما تحمل في طيَّاتها استهانة بالأعراف والتقاليد الدبلوماسيَّة، والزعم بالديمقراطيَّة واحترام حريَّة وحقوق الآخرين، فرئيس الوزراء الهولندي مارك روته وصف طلب تركيا الاعتذار بـ»المستحيل تمامًا ومجنون، ولن نعتذر»، بل إنَّه هدَّد بقوله: «إنَّ هولندا لن تسمح لأحد بأن يبتزها، وإذا ما صعدوا (يقصد الأتراك) سنضطر للردِّ».

دول وسط وشمال أوروبا: ألمانيا، النمسا، الدنمرك، السويد، تعاطفت مع هولندا، وانحازت لصفِّها كليَّةً في تعدد ردود فعلها ما بين منع لقيام مسؤولين أتراك بمخاطبة الجالية التركيَّة على أراضيهم، وما بين تصريحات تدعم الموقف الهولندي، وتدين المواقف التركيَّة الرسميَّة والشعبيَّة، ولعلَّ في تصريح المستشارة الألمانيَّة أنجيلا ميركل خيرَ مثالٍ في وصفها ردَّة الفعل التركيَّة بـ»العمل السخيف».

الأزمة كشفت -بكل وضوح- حقائق كانت معروفة لمن يقرأون ما بين السطور، ولمن يرجعون إلى التاريخ، وهي أن التفاف دول وسط وشمال أوروبا، وتأييدهم الموقف الهولندي إنَّما يعود إلى العقليَّة السائدة في هذه الدول من كونها محافظة ويمينيَّة، وإن لم تكن في ظاهرها يمينًا متطرِّفًا، وهو ما جعل بعض المحللين يحاولون تبرير ذلك بموعد الانتخابات الهولنديَّة التي جرت قبل أمس «الأربعاء»، كما أنَّها أبانت عن رسوخ النظرة الأوروبيَّة للأتراك في كونهم مسلمين، وأنَّ دخولهم إلى الفضاء الأوروبي (وهو المسيحي بامتياز) من باب المستحيلات، وهو ما وضح في إطالة أمد المباحثات بين الأتراك والأوروبيين، والتي دفعت شخصيَّة سياسيَّة كبرى مثل الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان إلى القول بكل وضوح: «بأنَّ أوروبا نادٍ مسيحيّ، ولا إمكانيَّة لتركيا في دخوله؛ لأنَّها دولة مسلمة». كما أنَّ تصريحات وأفعال النائب الهولندي اليميني خيرت فيلدرز، والتي في واحدة منها طلب من «الأتراك نسيان إمكانيَّة دخولهم الاتحاد الأوروبي؛ لأنَّ تعاليم الإسلام تتعارض مع المبادئ والقيم الأوروبيَّة».

الأزمة لا يجب أن يُنظر إليها على أنَّها خلاف سياسي بسيط، أو اختلاف وجهات نظر بين دولة وأخرى، بقدر ما هي كشف لِمَا ترسَّخ في الذهنيَّة الأوروبيَّة عبر التاريخ من عدم القبول بمنح المسلمين (دولاً وشعوبًا) نفس الحقوق، والحريَّة التي تمنح لرعاياهم؛ كونهم يؤمنون بأنَّ الاتحاد الأوروبي «نادٍ مسيحي»، ولا مكان لدولة مسلمة فيه، كما هو حال تركيا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store