Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سعيد محمد بن زقر

جدل الريال والدولار

A A
من وقت لآخر يثير البعض جدلاً حول الجدوى الاقتصادية من ربط الريال بالدولار ، وهو جدل يستصحب حقيقة انخفاض القوة الشرائية المستمرة للدولار بسبب ما يسمى اقتصادياً (بالتضخم السنوي) . ولاشك تلك حقيقة معاشة لا يتجادل فيها اثنان. فأهل الاقتصاد يقدرون أن ما كان يمكن شراؤه بدولار واحد في عام ١٩٠٠م يكلف اليوم (ربما) حوالي ١٠٠٠ دولار ، مع ذلك الحقيقة نسبية، ورغم صحة معدل التضخم ولكن في الواقع هذا لا يهم كما يشير رجل الأعمال والاقتصادي الشهير «وارن موزلر» بافتراض أن المهم بالنسبة لأي اقتصاد هو الناتج القومي الحقيقي للفرد ليكون في ارتفاع مستمر ، بكلمات أخرى أي ما تستطيع شراءه كل الدولارات عوضاً عن ما يستطيع شراءه دولار واحد فقط ، ويدلل على صحة هذا الاستنتاج بأن القوة الشرائية للفرد اليوم أكبر بكثير من ما كانت عليه آنذاك مع وجود نسب تضخم. ويعزى السبب للارتفاع في الإنتاجية النابعة من استخدام التقدم التكنولوجي، ولا عجب أن نجد اليوم سيارات وإلكترونيات ومعدات طبية وغيرها مما يضيف ايجاباً الى جودة الحياة ومستويات المعيشة، ولكن يؤخذ على هذا الاستنتاج أنه إذا كان التركيز على كمية (الدولارات) عوضاً عن فعالية (الدولارات) اليوم فإن ما ينتج عن ذلك خطل وخطأ ، تجسده الأزمات الاقتصادية العالمية التي لا تنتهي ولا تنقطع هزاتها إلا لتبدأ فقاعاتها. وهو ما أضر باستقرار الاقتصادات الهشة فضلاً عن هز أسس الاقتصاد العالمي ككل.

وبغض النظر عن الجدل وجدوى ربط الريال فإن التحدي الرئيسي في ربط الريال بالدولار (أو الذهب أو حتى سلة عملات ) يمكن أن نستنبطه من التاريخ الاقتصادي، فكل الدول التي كانت على نظام الذهب حينما تواجه تحديات كبرى أو تدخل في مواجهات أو تخوض حرباً فإنها على الفور تفك الربط . لأنه حتما ستترتب عليه مضار اقتصادية، قد تخسر معها الدولة المعنية الحرب، والسبب الأبرز الذي يمكن أن يعزى له ذلك أن ربط العملة يقيد يد الحكومة في الصرف والإنفاق على هذا النوع من التحديات الوجودية. كما أن ربط العملة يقيد التسليف داخل الاقتصاد ويقيد المصارف في عملها، بكلمات أخرى ربط العملة قرار سياسي ولكنه يقيد الاقتصاد المحلي،عوضاً عن قيود حقيقية مثل أصول الإنتاج وأهمها الموارد البشرية، ما يعني تلقائياً أن الدولة لن تستطيع تبني سياسات التوظيف الكامل وعليها قبول البطالة شاءت أم أبت ، لأن الاقتصاد المحلي نفسه مقيد بكمية التحرزات والحفاظ على الاحتياطات بالدولار. وما ينتج عن ذلك أيضاً هو عند تغير سعر الدولار نسبياً (أو الذهب أو السلة) مما يغير الأسعار داخل الاقتصاد المحلي ارتفاعاً أو انخفاضاً، أي أن الاقتصاد المحلي سيصبح ضحية لسياسات نقد وصرف في دولة أو مجموعة دول أخرى ،وبالطبع لا سلطان للقرار الاقتصادي المحلي عليها بتاتاً.

إذن الدول التي تربط عملتها بالدولار ستجد نفسها مضطرة لاستهداف كم ادخار أكبر من الاحتياطات بالدولار كهدف أساسي يساوي أو حتى يمكن أن يتفوق على أهداف عامة للاقتصاد المحلي، لدرجة قد يصح الاستنتاج بأن هذه الدول سيصبح الدولار واحتياطاته فيها أكبر وأهم هدف. لأنها تركز في سعيها لإيجاد «دولارات» ، وحيث إن المصدر الوحيد للدولارات الفدرالي الأمريكي فإن ذلك يرتب على الدول تقديم أصول حقيقية لأمريكا ليستفيد منها الاقتصاد الأمريكي. وفي المحصلة سيؤثر ذلك على مُتَّخِذ القرار الاقتصادي وخاصة حينما يظل مُلاحقاً لآثار ربط العملة المحلية بغيرها وتبعاً ليس غريباً أن تصبح كل التوجهات سعياً لإيجاد المزيد من الدولار وتوفيره.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store