Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

غازي مدني: فقيد العلم والأدب والفكر والإعلام

A A
سيِّدٌ شريفٌ، لسانُه عفيفٌ، وكفُّه نظيفٌ، حسنُ المظهرِ، نقيُّ المخبرِ، رقيقُ المعشرِ، عميدٌ عتيدٌ، ومديرٌ قديرٌ، وأخٌ فاضلٌ كبيرٌ. تلكَ بعضُ صفاتِ فقيدِ العلم والأدب، والفكر والإعلام، والإدارة، معالي السيَِّد الأستاذ الدكتور غازي بن عبيد مدني، الذي وافته المنيَّةُ بعد ظهر يوم مبارك، يوم الجمعة العاشر من شهر رجب لعام 1438هـ، ودُفن في البقيع بالمدينة المنوَّرة، في اليوم التالي. وللفقيد الكبير سيرةٌ ومسيرةٌ مشرِّفةٌ طويلةٌ، إذ هو من كبارِ أساتذة إدارة الأعمال في المملكة، والعالم العربيِّ، ومن أوائل مَن حصلوا على درجة الدكتوراة في هذا التخصُّص من أمريكا، وهو مؤسِّس أوَّل مركز متخصِّص في الاقتصاد الإسلاميِّ بجامعة الملك عبدالعزيز، وأصبح مديرًا لهذا المركز، كمَا عمل عميدًا لكليَّة الاقتصاد والإدارة، ووكيلاً للجامعة، فمديرًا لها لفترتين متتاليتين، استمرتا ثماني سنوات، شهدتا نموًّا وازدهارًا وتطويرًا لكلِّ مرافق الجامعة، وارتقتا بمعايير الجودة فيها، واتَّسم معاليه بالإقدام على خطوات شجاعة، لم يُسبَق إليها، ومن تلك الخطوات افتتاحه للمستشفى الجامعيِّ الذي كان بناؤه انتهى قبل سنوات، واحتاج لميزانيَّات ضخمة لتشغيله، فكانت لمعاليه رؤيةٌ ثاقبةٌ، ونظرةٌ طموحةٌ بتشغيل دورين من المستشفى بدايةً، ونجح في هذه الرؤية، وازداد تشغيل الأدوار شيئًا فشيئًا حتَّى أصبح المستشفى اليوم ملءَ السمع والبصر، وذلك ما أذكرُ بنفسي. وأذكرُ كذلك اهتمامَه بلغةِ القرآن، والفكر والثقافة، إلى درجة أنَّه زار قسمنا العتيد: قسم اللغة العربيَّة بكليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة في بداية توليه منصب مدير الجامعة، والتقى بأساتذة القسم ورئيسه، وكان حينها الزميل والأخ العزيز سعادة الدكتور جميل محمود مغربي، وقال لنا بالحرف الواحد: «إنَّ قسمَ اللغةِ العربيَّةِ أهمُّ أقسامِ الجامعةِ كلّها، وتقعُ على عاتقِكم فيه مسؤولياتٌ جسامٌ، فأنتُم قادةُ الفكرِ والثقافةِ والأدبِ، وتحملُونَ أمانةَ الكلمةِ، وأنتُم حماةُ لغةِ القرآنِ، وليسَ هناكَ مسؤوليَّاتٌ -في تقديري- أكبرُ من هذِه المسؤوليَّةِ»، كانت لمعاليه هذه الرؤية في زمن نظر فيه النَّاس إلى لغة القرآن، وإلى الفكر والأدب والثقافة على أنَّها من سقط المتاع، وقدَّموا عليها العلومَ التطبيقيَّة من طبيَّة وهندسيَّة وسواهما، ورغم أهميَّة هذه الأخيرة، إلاَّ أنَّ الفكر والثقافة والأدب تفوقها أهميَّة.

وفيما يتعلَّق بمواقفهِ الشجاعة كذلك، يذكر مَن جايلني من زملائي في قسم اللغة العربيَّة، وأولهم الزميلان

أ. د.عاصم حمدان علي، ود. جميل مغربي موقفًا تاريخيًّا لمعاليه يندرُ أنْ يحدثَ مثلُه في هذا الزمان، حين نصرَ مظلومًا دون أن تأخذه في الحق لومة لائم، ممتثلاً لتوجيه خليفةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في قوله: إنَّ الضعيفَ قويٌّ عندِي حتَّى آخذَ الحقَّ لهُ، والقويَّ ضعيفٌ عندِي حتَّى آخذَ الحقَّ منْهُ.

وقد كان معاليه طوال حياته نصيرَ الضعفاءِ والمظلومين، ورغم وداعةِ وطيبِ معشرِه، إلاَّ أنَّه كان في الحقِّ أسدًا هصورًا، وفارسًا مقدامًا. وإنجازاته ومواقفه الكبيرة في الجامعة توازيها إنجازاتٌ ومواقفُ عدَّة في الصحافة، لا تقلُّ عنها أهميَّة، فقد عمل رئيسَ مجلسِ إدارةِ مؤسَّسةِ المدينةِ للصحافةِ والطباعةِ والنَّشرِ لعشر سنوات، وقاد حركةَ التطوير لبُنيتها التحتيَّة والإداريَّة، ودشَّن أحدثَ المطابعِ العالميَّة، التي حظيت بها المؤسَّسةُ، واستحدث أرقى برامج معالجة النصوص الصحفيَّة، وشهدت بيئةُ العملِ في عهدِه في المؤسَّسة تحسُّنًا كبيرًا، رفع من مستوى الرضا الوظيفيِّ لدى العاملين. وقبل ذلك وبعده، فهو ابنٌ بارٌّ للمدينة النبويَّة الشريفة، وسليلُ أسرةِ علمٍ وفضلٍ، ووالده السيد عبيد مدني، من كبارِ علماء طيبة، ومن أدباءِ المدينة المنوَّرة الكبار كذلكم: السيد أمين مدني -رحمهم الله جميعًا- ومصابنا في فَقْدِ أبي عبيد مصابٌ جللٌ، ويندرُ أنْ يجودَ الزَّمانُ بمثلِهِ، ولا نقولُ إلاَّ ما يُرضي ربنَا، وإنَّا لفراقِكَ يَا أخَانَا الكبير أبَا عبيد لمحزونُونَ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store