Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الوظيفة قسمة و«نسيب»!

A A
عبارة «قسمة ونصيب» كما نعرفها جميعاً مرتبطة بشكل لصيق بالزواج، وقد تم توارثها بشكل خاطئ يقلل من حقيقة أن الزواج هو قرار واختيار ونتاج مجهود وتفكير عميق وليس مجرد نصيب ينتظره الشخص ليقبل به. والأمر نفسه ينطبق على «الوظيفة» التي يفترض ألا يكتفي الإنسان باعتبارها رزقاً ونصيباً سيأتيه أياً كان المجهود الذي يبذله انسياقاً وراء المقولة الشعبية الشائعة «لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش». ومع أنه بمقدور أي شخص أن يقدم لنا عشرات الأمثلة والحالات التي تتفق أو تختلف مع ذلك، إلا أن العقل والمنطق يؤكد بأن على المرء أن يعمل بجد واجتهاد ليصل إلى أفضل النتائج في حياته، وهذان المثلان في رأيي هما من الأمثلة الكثيرة التي توارثناها وأصبحنا نتداولها بشكل سلبي وخاطئ فقط لتشعرنا بالارتياح النفسي وتبرر لنا مواصلة الكسل واللامبالاة وعدم الأخذ بالأسباب بالشكل المطلوب.

وحتى نكون منصفين عند الحديث عن الوظيفة والتوظيف فإن أحد أسوأ الممارسات التي يتم ارتكابها تحت تفسيرات وتبريرات مختلفة وينتج عنها حالات خطيرة جداً من الإحباط واليأس والتذمر وضعف الأداء والولاء هي المحسوبية. ومن واقع عملي سابقاً في مجال التعليم الجامعي ومتابعتي الكثيفة لشبكات التواصل الاجتماعي فإن هناك شعوراً سائداً لدى كثير من الشباب بأن المحسوبية في محيط العمل تحولت إلى ظاهرة منتشرة بشكل لافت، حتى أن مقولة «الزواج قسمة ونصيب» تم تحويرها على تويتر إلى «الوظيفة قسمة ونسيب» في إشارة إلى انتشار حالات توظيف الأقارب والأنسباء على حساب معايير الكفاءة والمؤهلات وتكافؤ الفرص.

البعض يبرر المحسوبية بأنها شكل من أشكال الترابط الأسري والشهامة، والواقع أن المشكلة ليست في مساعدة الأقارب والأصدقاء على العثور على عمل فهذا أمر مشروع وإيجابي، ولكنها في استغلال السلطة للإخلال بمعايير الجدارة وتكافؤ الفرص، وفي تعارض المصالح، والأقسى من كل ذلك في حجم الظلم الذي يتعرض له شخص اجتهد وسهر الليالي وحرم نفسه لسنوات طوال من كثير من الراحة والترفيه والرغبات لأجل أن يتعلم ويتدرب ويتفوق، ثم يفاجأ بأن الوظيفة أو الترقية التي سعى إليها ذهبت دون أدنى مجهود لشخص آخر كل ما بذله ويملكه هو كونه من دائرة الأقارب والأنسباء أو الشلة والأصدقاء.

في تغريدة قديمة لي على تويتر قلت: «صحيح أن المحسوبية لا تقتلك، ولكنها تسلب منك أغلى ما تملك، مجهودك وزهرة سنوات عمرك»، دلالة على ضرورة عدم الاستهانة بحجم الظلم والضرر الذي يمكن للمحسوبية إلحاقه بالآخرين دون وجه حق.

الظلم منكر عظيم وعاقبته وخيمة، والله -عز وجل- يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store