Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عائض الردادي

العنصرية تدمير للأوطان

A A
العنصريَّة ذات تاريخ قديم في نفوس البشر، بسببها قامت حروب، وسقطت دول، وهي تفعل في النفوس ما لا يفعله السحر. العنصري يرى أن دمه أفضل من دماء الآخرين، ويبدأ يفاخر ويتعالى ليرضي غرورًا في نفسه، ويشحن نفوس الآخرين ليعملوا عمله، وخاصة الجهلة وصغار السن الذين لا يقدِّرون عواقب الأمور.

عمرو بن كلثوم يعرف أنَّه كاذب، عندما قال عن تَغْلب:

ملأنا البر حتَّى ضاقَ عنَّا

وماءُ البحرِ نملأه سفينا

فهو يعلم أنَّهم قوم محدودو العدد، في صحراء بلقاء، ولكن العنصريَّة تعمي البصر والبصيرة، وخير من وصفها سيِّد ولد بني آدم عليه الصلاة والسلام حين قال: «دعوها فإنَّها خبيثة» (البخاري برقم 3518).

في منطقتنا وجد الأعداء العنصريَّة خير سلاح ليواجه بها العرب بعضهم بعضًا، فأذكوا نار العنصريَّة الطائفيَّة والإقليميَّة والقبليَّة، وإن كانت الأخيرة ليست في درجة الأوليين، لكنَّها وقود لهما، كانت المذاهب الدينيَّة مذاهب سياسيَّة قبل أن يُسدل عليها ستار الدِّين، وتشحن نفوس الأتباع بأنَّه لا يكتمل المذهب إلاَّ بمواجهة الآخرين، وأنَّ الأرض لا تتَّسع للجميع ليعيشوا معًا، وللأسف أنَّه لم توجد قوانين صارمة كما في الدول المتقدِّمة تقف في وجه كل من يُعرِّض الوحدة الوطنيَّة للخطر، ويُعرِّض أمن الشعوب إلى القلاقل، أمَّا الإقليميَّة فأحيانًا تكون على مستوى الدول، فشعب يرى نفسه متحضِّرًا والآخرين بدوًا يتفوق عليهم، والآخرون يرون أنَّ أصولهم وأعراقهم عربيَّة خالصة، وأن أولئك لا يرتقون إليهم، وكل منهم يزرع العنصريَّة التي لو نجحت في شَقِّ الصف لأحرقتهما جميعًا، وصار كل منهما يتمنى لحظة أمان في منزله، إن لم يشرَّد كما حصل في دول عربيَّة.

ووصل زمن العنصريَّة إلى إذكاء العداوة بين الرجل والمرأة، بحيث صُنعت مضادَّة بينهما، فمعسكر الرجل ضد المرأة، ومعسكر المرأة ضد الرجل، وكل منهما يكره الآخر، وبتدقيق الأمور يتَّضح أنَّها ليست سوى صورة من صور تفتيت المجتمع، وإيغار النفوس ليكره بعضها بعضًا، ونسوا أنَّ سنَّة الله أنَّه خلق الزوجين ليتكاملا لا ليتحاربا، أمَّا الحقوق والواجبات فلكلٍّ حقوقه وواجباته، ولو أدَّى كل منهما حقَّ الآخر لحصل الوئام، ولكنَّها العنصريَّة الممنهجة تصنع للتفرقة طرقًا وأسبابًا.

العنصريُّة رذيلة بكل صورها، وهي معول هدم للأوطان وللوئام وللإنسانية، وليس بإنسان من يحتقر آخر، ويسعى لتقويض الأمن، ويكون يدًا لتحقيق مآرب خارجيَّة، وإذا قاد هؤلاء الرأي العام فانتظر خراب الأوطان، فهم جهلة المجتمع، وإن حملوا شهادات عُليا، وتغنُّوا بأمجاد جامعات خرَّجتهم لتخرجهم من جلود أوطانهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store