Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الريادة الأدبية وثنائية المراكز والأطراف

A A
أضحت قضيةُ الريادة في مجال (الإبداع الأدبي) في الوطن العربي محورَ جدال وتنازع بين مثقفيه تحت ما يعرف بـ (ثنائية المركز والأطراف)؛ فمنهم مَن لا يزال مستمسكًا بالرأي القديم الذي يرى أن الريادة الأدبية كانت ولا تزال مرهونة لمصر والشام والعراق، ومنهم من يرى أن الريادة خرجت عن إطار المركزية لتتنقل وترتحل من قُطر إلى آخر تَبعًا للتغيرات (السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية...إلخ) التي يشهدها كل قُطر مما يسهم في تطور الحركة الأدبية والثقافية وبروز أسماء ذات قيمة أدبية عالية، وعلى ذلك برزت أقطار أخرى وأصبح لها حضورها وبصمتها الواضحة في المشهد الأدبي والثقافي العربي، كدول المغرب العربي ودول شبه الجزيرة العربية. ما يمكن أن يُقال عنه أنه أسهم في (حلحلة) النظرة القديمة التي تَعتبر مصر والشام والعراق مراكز بكل ما تحمله من ثِقَل في المشهد الأدبي والثقافي وما عداها مجرد أطراف لا تؤثر كثيرًا في ذلك المشهد أمور: الأول- حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تشهدها أقطار ما كان يُعرف بالأطراف. الثاني- تعدد وسائل الإعلام واستفادة تلك الأقطار منها في إبراز وتسويق حراكها الأدبي والثقافي على مدى أوسع، وهي -أي وسائل الإعلام- التي كانت حكرًا على المراكز دون غيرها. الثالث- كمُّ الجوائز التي عنيت بالأدب وأجناسه المتعددة، وأشهر تلك الجوائز جائزة (البوكر) العربية، وجائزة (أمير الشعراء) اللتان أنصفتا ما كان يعرف بالأطراف - وخاصة دول شبه الجزيرة العربية- حينما حصد أدباؤها - وتحديدًا السعودية- ثلاث جوائز من جوائز البوكر، واثنتين من جوائز أمير الشعراء. وهنا يرتسم السؤال الماكر عن القيمة الفنية لهذه الجوائز الأدبية، وعن المعايير الفنية التي تقوم عليها، وهل الفوز بها لأكثر من مرة يُعطي للقُطر الفائز مطلقَ الريادةِ الأدبية؟ وهل قيام جوائز أخرى تحت مظلة الأدب لكن بمعايير أُخرى يمنح الفائزين بها حق الريادة الأدبية أيضًا؟ وهل الريادة تُعطى نتيجة حراك أدبي ثقافي عام ممتد يشمل شريحة واسعة ويستمر فترة زمنية أطول؟ أم يُكتفى بأسماء أدبية تبرز من حين لآخر وعلى إثر ذلك يُمنح القُطر لقب الريادة الأدبية؟ وهل حيازة قُطر ما على الريادة الأدبية لفترة زمنية ما يخوِّله حق امتلاكها الأبدي مهما خبت جذوة الأدب في محيطه، ومهما ضعُف النتاج الإبداعي لأدبائه، وولَّت فترة رموزه وأعلامه؟ أسئلة كثيرة تتوالى كلما أُثيرت ثنائية (المراكز والأطراف) التي وُلدت من رحم النظرة الاستعلائية تجاه الآخر، وستظل هذه الجدلية قائمة ما لم يتزحزح ما كان يتسمى بالمركز عن نظرته (العتيقة) ويؤمن بسيرورة التاريخ وحركة الزمن، ويوقن بأن الريادة لا تؤطَّر بحدود (زمكانية)، وإنما هي في حالة حراك مستمر يتبع الإبداع حيثما وُجد. وفي الوقت نفسه يؤمن ما كان يسمى بالأطراف بأن الريادة ليست هي الغاية، وأن الحصول عليها يكون عبر مسارات، منها: جودة النتاج الأدبي، وأن يكون الحكم على النتاج من خلال معايير صادقة وثابتة تتشكل من عمق الأدب ورسالته، وألا يكون للجماهير (غير المعنيين بالأدب) دور في الحكم على النتاج، وألا تكون الحركة الأدبية مجرد حالات فردية نزقية. ولذا فالمأمول من المثقفين العرب أن يُنحُّوا هذه الثنائية الجدلية جانبًا، وينتهوا عن تجنيس الإبداع الأدبي؛ لأننا لو تمادينا في ذلك لجَنَّسْنا الإسلام والسياسة..إلخ، وأخضعناهما أيضًا لثنائية المركز والأطراف.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store