Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

هل يغير الإعلام الجديد في منظومة القيم الاجتماعية؟

A A
أعلم أنه سؤال شائك ومعقَّد، ويحتاج لمتخصصين من مجالاتٍ مختلفة للإجابة عليه، وأعلم أن اتفاق هؤلاء المختصين على إجابة واحدة سيكون أمرًا صعبًا. ذلك أننا نناقش ظاهرة حالية غير مستقرة وهي مستمرة في التطور، ما يجعل القفز إلى النتائج أمرًا مستعجلًا يفتقر إلى الحكمة، كما أن الإجابة على أسئلة العلاقة بين العالمين الافتراضي والواقعي ومدى تأثير كل منهما على الآخر، ترتبط بأكثر من مجال معرفي، أذكر منها على سبيل المثال الاتصال والإعلام، علم الاجتماع، علم النفس، علم النفس الجماهيري، النقد الثقافي، علوم الاقتصاد والإدارة وغيرها، وهو ما يعني أن الإجابة قد تختلف باختلاف المجال العلمي والنظرية التي ينطلق منها صاحب الرأي.

وقد تحدثت في مقالاتٍ سابقة عن الخدمة التي تقدمها لنا وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام الجديد في إبراز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية وتشجيعها، وتسليط الضوء على الظواهر السلبية والمساهمة في الحد منها. وقلت إنها فضيلة من فضائل هذا الفضاء المفتوح، فيما يراها آخرون شرًا لا يساهم إلا في تكريس هذه المظاهر السلبية، وأن تأثيرها الإيجابي محدود جدًا.

وبعيدًا عن هذين الرأيين، فقد وجدت نفسي في ليلة من ليالي الشمال الإنجليزي البارد وسط نقاش محتدم مع عدد من الزملاء والأصدقاء الذين تتنوع تخصصاتهم بين التربية والقانون والإدارة والهندسة حول مدى التأثير الذي تُحدثه هذه الوسائل وما يتصل بهذه القضية من أبعاد تتعلق بالقناة التواصلية ذاتها أو بمستخدميها أو بالسياسات التي انطلقت منها كل منصة من هذه المنصات المتنوعة.

ولعلي أُلخِّص رأيي حول قضية التأثير هذه في نقطتين رئيسيتين هنا: الأولى تكمن في أني لا أزال أتعامل بحذر شديد في الربط -العشوائي- بين العالمين الافتراضي والواقعي؛ إذ لا أزال ألاحظ الهوة قائمة بين العالمين، في مجتمعنا المحلي على الأقل. أي أن ما نلاحظه من حراك هادر في تويتر والفيس بوك والسناب شات... الخ لا يعكس بالضرورة حراكًا بالنشاط نفسه والحيوية نفسها على أرض الواقع. هذا يعود في رأيي إلى عدة عوامل، من أهمها ما تتيحه هذه المنابر من إمكانات وظروف تتعلق بالأفق المفتوح وإمكانية الشهرة.

النقطة الثانية التي أود أن أشير إليها، هي أنني لا أنكر مدى التأثير الذي تساهم به هذه المنصات على المجتمعات، ومنها مجتمعنا بالطبع، وهو تأثير محايد بلا شك، فقد يكون سلبيًا أو إيجابيًا، غير أنني لا أذهب -حتى الآن- إلى أن هذا التأثير يمتد ليهز منظومة القيم الاجتماعية ويغير فيها تغييرًا واضحًا يمكن أن نعزوه إلى وسائل التواصل الاجتماعي. مثل هذا التغيير دائمًا ما يحتاج إلى وقت طويل تشترك فيه ضفيرة من العوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لا يتوفر في التجربة المحلية مع هذه الوسائل، خصوصاً مع السلوك الاستهلاكي الذي يطبع تعامل مجتمعاتنا مع مخترعات الاتصال الحديثة.

أحد الأصدقاء أشار إلى دراسة بريطانية عن حجم التغيير الذي يحدثه تويتر في موقف شرائح من المجتمع الإنجليزي تجاه الإسلام والمسلمين من خارج بريطانيا، وهذه الدراسة قد تكون مثالًا مهمًا لي هنا، فهي تثبت أن هذا التغير نابع في الأساس من منظومة القيم التي يحملها المجتمع، أعني قِيَم الإيمان بالاختلاف والتعددية وحرية الرأي وهكذا... تحدثت في مقالي قبل أسبوعين عن ظاهرتي الشتم والتشفي اللتين تطلان ببشاعة وجهيهما مع كل حدث محلي، وهما ظاهرتان نابعتان من فهم مُشوّه للحرية وعدم إدراك لطبيعة الاختلاف والتعددية البشرية وأهمية احترام المخالف.. ولم يستطع العالم الافتراضي تغييرهما أو طمسهما، كل ما فعله حتى الآن هو إبرازهما على السطح... ولا زلت عند رأيي أن هذه فضيلة من فضائل الإعلام الجديد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store