Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

مطالب أرجو أن يُجهضها وزير الثقافة

A A
كلَّما تمَّ تعيين وزيرٍ جديدٍ للثقافة، يبدأ الأدباء والمثقفون في تحضير القوائم، لحصر مطالبهم من الوزارة، وهم بذلك لا يُكرِّرُونَ الفعلَ ذاته، بل إنَّهم يطالبون بذات الأمور. والمشكلة ليست أنَّهم لا يملكون سوى هذه القائمة من الطلبات، لكنَّ المشكلة تكمنُ في أنَّهم، هم أنفسهم، لا يملكون تصوُّرًا واضحًا وعمليًّا عمَّا يريدونه من ورائها.

يتصدَّر هذه القائمة إنشاء (رابطة الأدباء السعوديين)، والتي تندمج أحيانًا مع مطلب إنشاء (اتِّحاد الكُتَّاب السعوديين)، وكلاهما مستورد من بعض الدول العربيَّة دون إدراك للمراد أو للتَّفاصيل، دون لماذا؟ ولا كيف؟ ويريد الأدباءُ أيضًا (صندوقًا للكُتَّاب) للعناية بالمعوزين والمرضى من الكُتَّاب، والتصوُّر الوحيد لهذا الصندوق أنَّه تمويل مفتوح من الدولة لإعانة كلِّ مَن كتبَ بشكلٍ خاصٍّ، وكأنَّ الأديبَ ليس مواطنًا يسري عليه ما يسري على غيره من أبناء الوطن، لذلك فهذا المطلب الذي يُطرح ليضع الأديب فوق غيره من النَّاس، لا مكان له إلاَّ وزارة العمل والتنمية الاجتماعيَّة.

أمَّا المطلب الذي صمَّ الآذان، فهو إنشاء (مراكز ثقافيَّة شاملة)، وهو تصوُّر بنائيٌّ عمرانيٌّ بحت، أي أنَّه توحيد للأماكن التي تدور بها الأنشطة الثقافيَّة ذاتها. لا يوجد في تخيُّل المطالبين بالمراكز الثقافيَّة سوى الانتقال من مكانٍ لآخرَ لن يأتي بأيِّ جديدٍ، هذا إنْ لم نحسب النزاعات والاشتباكات التي ستقوم بين الأطراف المستخدمة للمركز حول الأحقيَّة في الاستخدام، وجدولة الأنشطة.

وهناك مطلب لا يغيب أبدًا عن طاولة كل وزير، وهو (رفع ميزانيَّة الأندية الأدبيَّة) لتتواكب مع تطلعات المثقفين. ضعف المخصَّصات الماليَّة عبارة عن بالون ينتفخُ كلَّما ازداد الدعم، وقبل أن يُفكِّر معالي الوزير في هذا المطلب، أقترحُ عليه سؤالاً يُوجِّهه لمجالس الأندية الأدبيَّة الحاليَّة: «ماذا فعلتم بمبلغ 17 مليون ريال على مدى سبع سنوات، إضافةً إلى البرامج الداعمة من «القطاع الخاص»، وتأجير المباني؟».

ثمَّ إنَّ لديَّ رجاءً خاصًّا من معالي الوزير عواد العواد، وهو أنْ يُجهض أيَّ محاولةٍ حتَّى للحديثِ عن مطلب مراجعة (اللائحة المنظِّمة لعمل الأندية الأدبيَّة)، فهذا أمر عديم الجدوى، لا يبعثُ فقط على الملل والبؤس، بل على الاختناق والأسى. أتمنَّى من معالي الوزير أن يترك طابق اللائحة مستورًا، وألاَّ يبعث هذه المعاناة السمجة من قبرها للمرَّة الألف بعد المليون. كذلك أرجو ألاَّ يُقيم معاليه وزنًا للمطالبة المستحدثة بإنشاء (دار الأوبرا)، فهذه مطالبة ناشزة بكلِّ معاني الكلمة تُقحم هذا الفن الأوروبي العتيق على ثقافة تخلو منه تمامًا، وليس لأن إحدى دول الخليج أقامت دارًا سمَّتها «أوبرا» دون ممارسةٍ حقيقيَّةٍ للفن الأوبرالي، علينا أن نُحاكيها على غير هدى. حتَّى إنْ أقمنا قاعةَ احتفالات كُبرَى بمقاعد مخمليَّة وثريَّات فخمة، فأتمنَّى ألاَّ نُسمِّيها دار أوبرا من باب التقليد الأعمى.

أمَّا المطالبة بتشجيع المواهب (ودعم المثقفين معنويًّا) فليتأكَّد معاليه أنَّ المسألة في توقُّعات المثقفين والأدباء لا تتجاوز أن تقوم المؤسَّسة الثقافيَّة بطباعة كتاب لـ»كل» مَن يهوى الكتابة، ثمَّ إقامة أمسية تشيد بإنتاجه، وأخرى لتكريمه ومنحه جائزةً ما، ثمَّ شراء مؤلّفه بمبلغٍ مجزٍ، ثمَّ دعوته إلى كلِّ محفل ثقافيٍّ، وإلاَّ غضب واشتكى من الإقصاء والشلليَّةِ.

كثيرٌ من مطالب المثقَّفين والأدباء هلاميَّة وإنشائيَّة، وهي في ذلك مثل الشعارات الرائعة التي تفتقر إلى آلياتِ التطبيق، وحيويَّة التَّفعيل. قبل سنوات لم يكن لدى المثقفين سوى مطلب واحد، ردَّدوه بلا توقف، ألا وهو الانتخابات. وحين تحقَّق لهم ما أرادوا، لم تعجبهم النتائج، وانسحبوا من الساحة الثقافيَّة تأففًا وتعففًا.

معالي الوزير: حين يأتيك المثقفون مطالبين، اسألهم: إن كنتم تريدُونَ هذا وذاك، فماذا أنتم به فاعلون؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store