Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حسن فتيحي

ظاهرنا ممتع وباطننا مفزع

شمس وظل

A A
آخر جمعة في رمضان.. ساقتني قدماي إلى محلنا القديم في سوق الحراج.. والذي أصبح سوق الصاغة فيما بعد..

وهذا المحل عملت فيه مسؤولًا منذ 1954م.. يوم كنت في الثانية عشرة من عمري.. وكان أبي يعمل به منذ أكثر من ثلاث عقود.. أي أنه منذ أكثر من مئة عام..

هذا المحل مقفل.. علمًا بأنه لايزال.. وبه يافطة تحمل اسمي..

في هذا السوق وما حوله الخاسكية وشارع قابل وسوق الندى ومسجد عكاش الذي كنت أُصلِّي فيه مع والدي الفروض الخمسة.. التقيت ببشر لم أرهم من قبل..

ليس هناك مَن يعرفني أو أعرفه.. بحثت عن الدكاكين التي أعرف أصحابها ومحتوياتها.. كل شيء تغير..

أصحاب المحلات القديمة بأسمائهم المعروفة اختفوا تمامًا.. وحل محلهم أسماء ووجوه من كل من حولنا من الجنسيات العربية وغير العربية..

يمارسون البيع بطريقتهم.. والزبائن أيضًا من جنسياتهم أو ممَّن قدم إلى جدة من المواطنين..

ولاحظت أنهم ينظرون إليَّ.. خمّنت أنهم يقولون مَن هذا النادر بيننا.. ويحاولون استدراجي للشراء..

دخلت إلى مسجد عكاش وصليت العصر هناك.. أتاني أحدهم وذكّرني باسمي.. عرفت منه أنه كان طفلًا صغيرًا.. ويعرفني عندما كنت أبيع في محلنا القديم..

علمت منه أن له دكان بجوار مكتب السيد عبدالله شربتلي (سابقًا).. وذهبت معه إلى هناك..

هذا الذي رأيته أصبح رجلًا يتجاوز الستين من عمره.. ذكر لي أن عنده ولد واحد أصبح طبيبًا..

سألت عن أحواله.. حمد الله وأثنى عليه.. رأيت عينيه تسرح بعيدًا.. وكأنه يقول في خجل «هذه حالنا»..

علمت أنه متابعني فيما أكتب.. قلت له بعد أن هممت بالانصراف «ترى ظاهرنا ممتع وباطننا مفزع».. وإني لأراك سعيدًا تنام وتسهر وتعمل وتصلي.. إن سعادتك التي أنت فيها.. قد عشتها ورافقتني..

تركته وهو يضحك.. ويبتسم مودعني قائلًا «نحن هنا دومًا».. إذا اشتقت إلى ماضيك السعيد ستجدني «تراني قانعًا بما أنا فيه».. قالها مرددًا الحمد لله مرات عديدة..

انتابني شعور غريب واسترجعت بسرعة.. فسعدت بما استرجعت ثم عدت إلى ما أنا فيه.. أبحث عما افتقدته لعلِّي أجده بشكله وحجمه القديم..

ثم رددت.. الحمد لله رب العالمين..

وقلت.. مقامك حيث أقامك..

من أراد كل شيء.. أضاع كل شيء..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store