Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالرحمن سعد العرابي

التجرؤ على التاريخ

A A
البعض يظن نفسه، واهماً بالطبع، أنه في مكانة تسمح له بالتطاول على التاريخ، فيسعى إلى تزييف حقائقه وتغيير وقائعه، وهو يحسب أنه يكتب تاريخا جديدا، بينما واقعه وواقع الحال يؤكدان عدم كفاءته وقلة إمكانياته وعدم معرفته الكلية بكيفية التعامل مع التاريخ. وهذا ما فعله عبدالله العذبة رئيس تحرير جريدة العرب القطرية، حينما ظن أن بإمكانه تغيير حقائق كثير مِنَّا عاشوها، وشهودها أحياء يُرزقون، وحينما ظن بوهمٍ أنه بذلك يتطاول على قامات وقيادات صنعت تاريخا لا يُنسى، فأراد بجهلٍ مطبق التطاول على دور خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز –يرحمه الله- في تحرير دولة الكويت، من الهمجية والبربرية العراقية لنظام صدام حسين.

العذبة في فعله هذا نسي أو تناسى أن الحدث حيٌّ مُعاش، وهداه عدم امتلاكه القدرة على فهم وكتابة التاريخ إلى أن الناس في أيامنا هذه ربما نسوا تفاصيل الجريمة الكبرى التي ارتكبها صدام حسين، ودور الملك فهد البطولي والقرار الشجاع الذي اتخذه بضرورة عودة الكويت لأهلها، وهم اليوم ممن عايشوا الحدث، من أميرهم الشيخ صباح إلى أعداد هائلة منهم وكلهم يُقرّون ويعترفون بذلك الدور الخالد للملك فهد وللمملكة العربية السعودية.

في الندوة العلمية العالمية التي أقامتها دارة الملك عبدالعزيز عن «تاريخ الملك فهد»، والتي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله- في 11 مارس 2015م قدَّمتُ ضمن بحوث الندوة بحثا موسعا تحت عنوان: «دور خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي، قراءة تحليلية»، نشرت الدارة البحوث في عددٍ خاص صدر في شهر ربيع الآخر 1436هـ، وقد اعتمدتُ في البحث، وأنا أستاذ تاريخ في جامعة الملك عبدالعزيز، على وثائق وأقوال وشواهد حية ممن عاشوا تلك الأزمة، وتتبَّعت تفاصيلها بدقة، وقد كنتُ معايشا للحدث، وشارك أخي الأكبر العميد ركن مظلي محمد – يرحمه الله- في حرب تحرير الكويت.

في البحث أبنتُ عن بداية تفجُّر الأزمة، وسعي الملك فهد الدؤوب لمنع ذلك باللقاءات التي رعاها وحضرها هنا على هذه الأرض المباركة السعودية، ولما ظهر التصلُّب العراقي، وفجأة وبدون مقدمات غزت القوات العراقية الكويت، كان القرار الشجاع والبطولي في ذلك الوقت للملك فهد في رفض ما حدث، ومع ذلك أراد -رحمه الله- أن يحصر ذلك داخل إطار الجامعة العربية، وباتصالاته برؤساء مصر وسوريا وملوك المغرب والأردن وأمراء دول مجلس التعاون كان انعقاد المؤتمر العربي في القاهرة، غير أن التصلُّب العراقي ومناورات نظام صدام، كما يحدث اليوم ويتكرر بكل أسى مع ساسة قطر في أزمتهم مع الدول المقاطعة العربية، سببٌ تفكُّك الموقف العربي، فأيدت دول قليلة الموقف العراقي، وعارضته الغالبية، وكان ذلك يعني فشلاً

لحل عربي جماعي.

تلك التطورات وعدم إنصات القيادة العراقية لأصوات العقل لم تفت في عضد وعزيمة الملك فهد، فكان قراره الشجاع بالاستعانة بقوى صديقة من كل أرجاء المعمورة، وهذا ما حدث حينما تجمعت قوى أكثر من خمسين دولة في تحالف عسكري كبير، وبدعم من الأمم المتحدة بضرورة إخراج القوات العراقية من الكويت وبالقوة.

ولكل من يعرف كيفية قراءة وكتابة واستيعاب التاريخ، فإن خطوة كتلك تستدعي توفير إمكانيات مادية وبشرية وخدماتية هائلة، وهذا ما قام به الملك فهد حين فتح أبواب المملكة بكاملها لقادة وأهل الكويت، وحينما وفَّر لقوات التحالف كل الإمكانيات اللازمة من إمدادات وبنى تحتية ودعم لا محدود، إلى أن تحررت الكويت وخرج صدام وقواته منها أذلاء غير مأسوف عليهم.

أبعد هذا كله يأتي عبدالله العذبة ويُشكِّك أو يتطاول على حقائق صعبٍ محوُها أو نسيانُها؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store