•• في عام 2009، قام البروفيسور «بيتر غلوتزر» بتجربة علمية، دَوَّنَ كُل مشاركٍ فيها هدفه الشّخصيّ، ثُم قام نصف الأشخاص بإعلان نيتهم في تحقيق أهدافهم أمام الجميع، وأمّا النّصف الآخر فالتزم بالكتمان.
أُعطيَ الجميع 45 دقيقة لإنجاز أول عمل يصبُّ مباشرة في تحقيق الأهداف، ثم ماذا حدث؟ كانت المفاجأة بأن الذين أغلقوا أفواههم قد عملوا طوال الـ45 دقيقة الممنوحة لهم، أما الذين حكّتهم ألسنتهم وأخبروا غيرهم بأهدافهم فقد توقف غالبيتهم عن العمل في العشر دقائق الأخيرة!
•• قصة التجربة العلمية تنطبق تماماً على حياتنا، نفكر في إنجاز أي شيء،(أن ننحف مثلاً) وما نلبث أن نبدأ في التخطيط إلا وقد أخبرنا أمة محمد،والنتيجة لهذه العادة هي فشل الكثير مما نطمح إليه، فالدراسات العلمية، تثبت لنا أن إفصاحنا عن الأهداف-(إذا كانت شخصية)-يجعلها أقل قابلية للتحقيق، ويجعلنا أقل قدرة على إنجازها،وتنصحنا بالإبقاء على أهدافنا تحت الحراسة المشددة حتى آخر لحظات التنفيذ.
• والكتمان المهم ليس فقط كتمان الأهداف،بل أيضاً كتمان الخيرات والحاجات، فلماذا يشاهد كل متابعيك في (سنابشات) أين سافرت، وماذا اشتريت، ومتى أكلت، والسيارة الجديدة التي ركبتها؟! .(استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) كما هي الوصية النبوية، و(لا تقصص رؤياك على إخوتك) كماهي نصيحة سيدنا يعقوب، فما بالك بغير الإخوة ممن تعرف ولا تعرف؟. بعض الناس يفسدون الأشياء الجميلة، والمثل يقول: (داري على شمعتك تقيد!)
•• أما على صعيد الأسرار، فحدث ولا حرج عن فوائد الكتمان، لأن الذي يستودع أسراره لدى الآخرين بلا ضرورة، هو في الحقيقة عاجز عن كتمانها،ويبحث عن من يحفظها معه، ومهما كان واثقاً بالآخرين، سيأتي اليوم الذي يصاب فيه أحدهم بحكّة اللسان، ويستودع السر عند طرفٍ ثالث، والسر اذا جاوز اثنين، ذاع في الإذاعات، وشاع بين الشائعات! لذلك لا تثق أن سرك في (بير)، فالكثير من الآبار تصبح-وقت الفراغ- (برّادة) سبيل!.
•• وعلى سيرة الأسرار، أحياناً تتساهل بعض الفتيات، في الحديث عن خصوصيات العلاقات، وقد قرأت حديثاً صحيحاً يحذر من ذلك، قال فيه صلى الله عليه وسلم :(إن من شر الناس منزلةً عند الله يوم القيامة الرجلُ يُفْضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر أحدُهما سرَّ صاحبه).
•• ختاماً، اعلموا أن الغموض -النابع من الكتمان- صفة أنيقة، تعطي الإنسان شيئاً من الوقار والجاذبية، لذلك احتفظ بكتاب الخصوصيات مغلقاً، ولا تكن كتاباً مفتوحاً، أوراقهُ معرّضة للتلف والتمزيق، والشّمعة التي تُضيئه تنطفئ ولا تَقيدْ، وتذكّر دائماً بأن الكِتْمان خَيْرٌ من الإعلان!
***
••تنويه: أستثني من كل ما قلت كتمان العلم، والحق، والشهادة.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
