Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

للأعلى حيث الفساد

وحاول البعض -قسرًا- أن يجعل الإصلاح يبدأ من الطبقة الدنيا (الكادحة) صعودًا للأعلى -لعلمه أن الإصلاح لن يطولها- في حين إن القاعدة تقول إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الأعلى إلى الأسفل؛ كون الأعلى هو الأقدر والمتنفِّذ وهو الممسك بالمقدرات

A A
لو ساقك القَدَرُ يومًا وامتطيتَ طريقَ الساحل الجنوبي فستجد على جانبيه كمًّا وافرًا من اللوحات (التوعوية) التي نصبتْها هيئةُ مكافحة الفساد (نزاهة) بغرض التحذير منه. من المفارقات أن غالبية مرتادِي تلك الطريق خليط من الموظفِين التقليديين متوسطِي الدخل، ومن الباعة البسطاء، ومن الكدَّادِين.. إلخ، بمعنى أنهم لا يملكون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً للمناصب العليا، ولمواقع إبرام العقود والصفقات، وهو ما يعني استحالة ولوغهم في الفساد، ولذا يضع عابرو تلك الطريق أنفسهم أمام احتمالين: الأول- أن يكونوا هم المستهدَفِين باللوحات التوعوية عن الفساد فهذا يعني أنهم من أصحاب رؤوس الأموال ولديهم شركات عملاقة وشراكات محلية وعابرة للبحار ، في حين يشي واقعهم بغير ذلك، ما يعني بُطلان هذا الاحتمال. الاحتمال الأخير- أن يكون المستهدفون بتلك اللوحات التوعوية غيرَهم من أصحاب الأموال والمتنفِّذِين وأصحاب المناصب والشركات والشراكات، وهؤلاء ليست طريق الساحل الجنوبي طريقهم، ولذا كان ينبغي أن تكون تلك اللوحات على الطرق التي يسلكها أولئك المليؤون والمتنفِّذون وفي المواقع التي يرتادونها. على طريق الساحل تجد عباراتٍ على شاكلة (مَعًا ضد الفساد) وهو ما جعل بعض العابرِين من باب التندر والسخرية -كونها وُضعت في المكان الخطأ- يقرأها بهذه الكيفية (مُعَاضِد الفساد)، وتجد كذلك عباراتٍ على شاكلة (الفساد هَدْرٌ للمال) فيأتي البعض للسبب ذاته فيقرأها (الفساد هَدَرَ للمال) وكلمة (هَدَرَ) تُطلق في الجنوب على الصوت المتكرر من لسان الجمل، وهو صوت لا يخرج إلا إذا أُعجب بشيء ما أو اشتاق إليه، ومقصود القارئ بهذا التكييف للجملة أن الفساد (شخص المفسد) هَدَرَ (اشتاق) لبلع المال. ولقد كادت حالة السخرية من تلك اللوحات المنصوبة في المكان الخطأ أن تتوسع وتأخذ أشكالاً متعددة من القراءات التأويلية، غير أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قطع بحديثه لصحيفة (نيويورك تايمز) الطريقَ على كل القراءات التأويلية المحتملَة، وعدَّل بوصلة محاربة الفساد حينما قال: «كانت الحكومة قد شنت أكثر من حرب على الفساد ولكنها فشلت جميعًا. لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودًا إلى غيرها من الطبقات المرموقة». بهذا يضع سموه يده على الخلل الذي طالما تم التغافل عنه، وحاول البعض -قسرًا- أن يجعل الإصلاح يبدأ من الطبقة الدنيا (الكادحة) صعودًا للأعلى -لعلمه أن الإصلاح لن يطولها- في حين إن القاعدة تقول إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الأعلى إلى الأسفل؛ كون الأعلى هو الأقدر والمتنفِّذ وهو الممسك بالمقدرات

، وهو الذي يقف على بوابة الصفقات والعقود، ويتحكم بصنابير الثروة، وعلى كيفية وقوفه يتشكل مستقبَل الوطن والمواطن.

محمد بن سلمان يقود اليوم مرحلة الإصلاح والتغيير التي تكفل -بإذن الله- استقرار هذا الوطن العزيز ورخاءه واستمراريته. محمد بن سلمان جعل المواطنِين جميعهم -بل والعالَم- يباركون هذه الخطوات الإصلاحية التي يقودها سموه بكل صدق وشفافية ويستمسكون بها. فهل يعلم سموه ما لخطواته تلك -وخاصة المتعلقة بمقدرات الدولة- من امتنان ورضا لدى المواطنِين؟ وهل وصل سمعَ سموه صدى دعائهم وهتافاتهم المؤيِّدِة؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store