Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

ملتقى مكة الثقافي وسؤال القدوة

ما نفع أن يتحول المكان إلى مساحة حضارية راقية وإنسانها ما زال يفتقر إلى أساسات الخلق الحسن التي أوصانا بها ديننا الإسلامي الرائع؟ هكذا نكون قدوةً، أن نتخلق بأخلاق نبينا الكريم، ونعيش مواطنين صالحين على أرض شاركنا في بنائها، وسنحافظ عليها بكل حب وحرص.

A A
في ملتقى مكة المكرمة الثقافي الذي أقيم من 8-9 من شهر ربيع الأول الجاري تحت رعاية ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل- كان مشروع «كيف نكون قدوة؟» مهيمناً على جلساته وورشات عمله؛ حيث تجلى الطموح الهادف نحو بناء الإنسان وتنمية المكان، ومحاولات ترجمته إلى برامج واستراتيجيات تتماشى مع الرؤية التنموية لمنطقة مكة المكرمة.

وحين يقول سمو الأمير خالد: «إن ديننا الإسلام، ودستورنا القرآن والسنة، ومناهجنا إسلامية، كذلك حياتنا إسلامية، فكيف لا نكون قدوة؟»- نعرف أننا نبحث عن طرق نربط بها بين منهاج الخلق الإسلامي وبين مفاصل حياتنا اليومية. على مدى يومين اجتمع عدد كبير من المهتمين من جميع القطاعات العامة والخاصة للتفكير والنقاش حول مبادرات محددة، ووضع حجار الأساس للمشروع التنموي. كان هذا الملتقى هو أول درس إسلامي يدخل حيز التنفيذ، فعندما يجمع الأمير هذا العدد من الناس، فهو يُشركهم في المشروع قبل ولادته، ويُشعرهم بتقدير آرائهم وبأهمية عطاءاتهم، ويُحمّلهم مسؤولية بناء مستقبلهم كما يحتاجونه أن يكون.

كان هذا هو الشعور السائد بين المشاركين، أن كلّاً منهم مواطنٌ فاعلٌ، وفردٌ مؤثرٌ لا يسير مع التيار دون أن يفكرَ ويخططَ ويحلمَ، ثم يصغي للآخر ويحترم أفكاره ويحتمل اختلافاته، وإن رأى أنه على حق يتنازل عن رأيه ويدعم الفكرة الأفضل دون انحياز لذاته. خلال العمل تجسدّت حزمة من القيم الأخلاقية التي تؤسس لبناء إنسان خلوق، إضافةً إلى الجو العام للملتقى من ناحية حسن الاستقبال والتعاون، والتبسم في وجوه الضيوف وإكرامهم، والتنظيم الرائع واحترام الوقت والانضباط العالي. ومع تنامي الإحساس بالمسؤولية تعاظمت الجديّة، والتنافس، والحماس للإنجاز، ليس من أجل دافع مادي، ولا مطامعَ في أضواء ولا اصطفاء، كان إتقان العمل هدفاً جماعيّاً لإنجاح المشروع المرتقب الذي ستُفيد منه المنطقة.

لم تكن الجلسات تستسقي آراء فقط، ولم تكتف بأفكار عائمة، فالمسألة ليست أن تتمنى شيئاً وتتركه عالقاً في الهواء، ولا أن تطلق العنان لخيالك ثم ترمي أحلامك على عاتق المسؤول لينفذها لك. كان على المشاركين أن يقفوا خلف مُبادراتهم المُقترحة كاملاً، يتصوروا نقاط ضعفها وقوتها، ويرسموا خطوات تقدمها زمنيّاً، ويقدّروا العقبات التي سيواجهها التنفيذ، ويضعوا الحلول التي ستزيلها. لم تكن المسألة أن تقدم مبادرتك وتمشي، بل أن تستشعر أن مبادرتك ستكون في منطقتك، وفي مستقبلك، وفي خدمة أبنائك، وفي تطوير وطنك؛ لتعيش فيه سعيداً وتفاخرَ به الأوطان.

كيف نكون قدوةً؟ سؤال يوجهه سمو الأمير خالد الفيصل إلى كل فرد في منطقة مكة المكرمة، ويستشف من خلاله عناصر الشخصية الفردية التي لا تبحث عن قدوة لها لتتمثلها وتحاكيها، ولكن كيف تصبح هي قدوة في عين ذاتها، كيف تكوّن من نفسها، ومن عناصر قوتها، ومن تعاليم دينها خير مثال. ما نفع أن يتحول المكان إلى مساحة حضارية راقية وإنسانها ما زال يفتقر إلى أساسيات الخلق الحسن التي أوصانا بها ديننا الإسلامي الرائع؟ هكذا نكون قدوة، أن نتخلق بأخلاق نبينا الكريم، ونعيش مواطنين صالحين على أرض شاركنا في بنائها، وسنحافظ عليها بكل حب وحرص

.

بعد انتهاء الملتقى صعد كل فريق على المسرح ليمثل قطاعاً حيويّاً من قطاعات الدولة، ويشرح كيف أن مبادراته ستُسهم في بناء الانسان والمكان، صحيّاً ورياضيّاً وتقنياً وخلقيّاً وأسريّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً. في تلك الجلسة، ظهرت أجمل قيمة أخلاقية يمكن أن يُختتم بها الملتقى، ألا وهي التنوع التكاملي الناتج عن التعاون، وقبول الاختلاف، واحترام الآخر، والاجتهاد المشترك؛ من أجل هدف واحد، هو مصلحة هذا الوطن.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store