Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سامي سعيد حبيب

انتكاس البشرية للرق والنخاسة

A A
ظلت العبودية وصمة عار في جبين الإنسانية على مر العصور، حتى جاء الإسلام فحاربها بموضوعية، فجفف منابعها بل واجتثها من جذورها، فشرّع وشجّع كل ما ينهيها، كمثل حصر مصدر الرق الأوحد في أسرى الحرب المشروعة فقط، ومن باب المعاملة بالمثل، وقد هدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالوعيد الشديد في الآخرة لمن استعبد حرا، كما في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى عمله ولم يعطه أجره). كما جعل الإسلام عتق الرقاب كفارة لكثير من الذنوب، ومن بعض الكبائر، كما يعتبر عتق الرقاب من أهم القربات إلى الله تعالى، ولعل في قول سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) تلخيصا لرؤية الإسلام للرق والعبودية، كما شرّع نظام المكاتبة، ويعني السماح للمملوك بالمبايعة وإعانته عليها.

بينما اتخذ الغرب من تجارة العبيد تجارةً رائجة لقرونٍ طويلة، فكانت ترسو فيها السفن الإمبريالية على الشواطئ الغربية للقارة الإفريقية بعيدا عن أعين الراصدين، وتتحيّن الفرص للغدر بهم أفرادا أو مجموعات صغيرة، مسلّحون بالطبع بأسلحة لا قِبَل للأفارقة البدائيين بها، ومطاردتهم وأسرهم وشد وثاقهم واقتيادهم للسفن المرابطة مقيَّدين بالأصفاد، وحبسهم فيها كالقطعان الحيوانية في أقفاصٍ لا تصلح حتى لسكن الحيوانات، على اعتبار أنهم قد أصبحوا عبيدا، وبيع من يتبقى منهم أحياء في مراكز النخاسة العالمية في أوربا وأمريكا. وها هي الممارسات اللا إنسانية في استعباد الأفارقة في ليبيا، التي جاءوا إليها في الأساس كمرتزقة.

شكّل تضافر الظروف العالمية الاستثنائية بدول شمال إفريقيا خصوصا في ليبيا حدود المعتاد من غياب سلطة مركزية تحكم البلاد، إضافة إلى وجود العديد من القوى الأجنبية المتصارعة على المسرح الليبي ممثلة في الاستخبارات العالمية وغيرها من المؤسسات الأمنية الغربية، سواءً منها الحكومية أو الخاصة (المخصخصة كمثل بلاك ووتر) إضافة إلى وجود سيولة مالية هائلة في أيدي العصابات الطليقة والمليشيات والسوق السوداء، كما أن البيئة محفزة على الاقتتال نظرا لتوفر كميات هائلة من الأسلحة والذخائر، وكما أن العامل الأهم هو استهداف ليبيا من قبل الضحايا الذين يؤمونها كمرحلة أولى من رحلة الهجرة إلى أوربا يضاف إلى ذلك بأن صورة الظروف التاريخية تُتم المشهد، وذلك لوجود ليبيا جغرافيا في مسار الضحايا الأفارقة، حيث جاءوا بأنفسهم إلى حيث يتربص بهم خطر الأسر والعبودية من حيث أرادوا الهجرة لعالم الشمال المتطور (أوربا)، طلبا للحياة الكريمة.

لحلف الناتو دور كبير في توسيع سوق النخاسة في ليبيا من خلال دعمه للعديد من المليشيات الليبية المسلحة النشطة في سوق النخاسة، حيث نشرت الـ»سي إن إن» الأمريكية في 14/11/2017م تقريرا عن سوق النخاسة بليبيا، وبدعم من بلاك ووتر، وقد عرض التقرير مشاهد لبيع الشباب الإفريقي بـ400 دولار للفرد. ويمكن اعتبار ذلك الشق التجاري دعما للسوق؛ التي من المفترض أنها محرمة دوليا، ولكن هل من جديد؟ فالغرب لم يزل يتكشف المزيد من نفاقه السياسي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store