Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

داعش.. وإعلان القدس عاصمة إسرائيل

خسائر العرب من هذا التنظيم المشؤوم متراكمة: مُدنٌ مُدمّرة وشعوبٌ منكوبة بالإبادة أو التهجير، أمنٌ مفقود ونزاعات وتشرذم لا حصر لها، خيرات منهوبة وقواعد مُعسكرة، طاقات مُهدرة ونظرة عالمية للعربي والمسلم كهمجي متطرف وخطير كرستها دوغمائية الدواعش وسلوكياتهم.

A A
ظهر تنظيم داعش فجأة وكأنه قد هبط من الفضاء أو شق الأرض وبرز، عملاقاً شديد البأس. وبدا قادة ذلك الجيش المدجّج بالسلاح، والدبابات، والأزياء، والرايات على درجة عالية من التدريب والتهيئة، ثم بدأوا في استعراض قوتهم قتلاً وتنكيلاً في المساحات الإعلامية الممنوحة لهم، واتضح أنهم مجرد جماعة من الإرهابيين القساة الغلاظ القادمين من العصور الوسطى. وحين أدّى التنظيم دوراً ما بالشكل المطلوب منه -على مدى سنوات اجتمع فيها ضده حلف وراء حلف من دول العالم الأقوى دون نتائج مجدية-، حان وقت احتراق كرته، فتمكنت نفس القوات المتحالفة من دحره.

لم يُعرف لتنظيم داعش مصدراً، رغم العلاقة الواضحة بينه وبين القاعدة التي تم تفكيكها مع إبقاء ذكرها متردداً، فهو تنظيم يعتمد على حشد الإرهابيين من كل زوايا العالم لكي يضيع الدم بين القبائل، ولا يستطيع أحد أن يلوم أو يواجه أحدًا. توالت مهام داعش واتضحت الخطة المرسومة له، في البداية كان إهلاك وتهجير السكان المحليين في العراق وسوريا، وتلاه تدمير البنية السطحية والتحتية للمدن في البلدين. كانت قوته الهائلة سبباً في هروب القوات المحلية، فسقطت المدن في قبضته الواحدة تلو الأخرى. ورغم أن الدعم الخارجي والتوجيه الإستراتيجي كان ملموساً، إلا أنه لم يكن هناك دليل ولا اعتراف يُدين أحداً.

كان التسعير الطائفي واللعب على أوتار المذهبية النشاز مخططاً بعناية للفتك بالمواطنين وتمكين الإرهابيين من نشر الفوضى، وبالتالي من التمدد والانتشار. لم يكن هؤلاء المقاتلين الأجانب سوى لصوصاً عاثوا في الأرض فسادًا وراحوا ينهبون خيراتها، ويُهرّبون ثرواتها التاريخية والنفطية إلى خارج الحدود، ووقف من يدعم ويخطط ليستقبل الغنائم وهو يهنئ نفسه على نجاح المسرحية. وتقدمت الدول الكبرى لتهاجم المرتزقة وتقضي عليهم، وكان لا بد لها بالطبع من قواعد تعمل فيها ومنها، حتى إذا انحسرت داعش، بقت القواعد.

لا تختلف صعوبة فهم ظهور الدواعش عن صعوبة فهم انحسار رقعة أراضي خلافتهم المزعومة: فجأة تهاوى الجيش الذي لا يشق له غبار، وضعفت قواه، وراح يخسر معاركه، فتقلصت مناطق نفوذه تباعاً بعد توسع كبير، ثم تقدم الأبطال الصناديد الذين قضوا على الإرهاب والوحش الداعشي المسعور لينالوا شرف تحرير الأرض وإنقاذ الأهالي، وننال نحن عبء تحمل ثقل جمائلهم وأفضالهم علينا.

لا شك أن ظاهرة داعش ستظل مُستغلقة على العقول، لكن لا شك أيضاً أن الجانب المُتضرر منها هو الدول العربية تبعاً لأجندة لا تختلف عن أجندة الخريف العربي، وهي مجرد حلقة في سلسلة مخطط تفتيت الشرق الأوسط وإعادة رسمه من جديد، فمن القاعدة إلى الإخوان، إلى داعش يستمر استهداف بلادنا وتحطيمها وتعطيلها من أجل تنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى.

لقد تأخر إسقاط هذا التنظيم الغريب حتى يتزامن مع التحرك نحو اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل، فالعالم العربي لا يكاد يفيق من معاناة حتى ينشغل في معاناة أخرى صادمة، والعرب قد أنهكتهم الصراعات التي لا تهدأ. أما كيف استفاد هذا المشروع من ظهور داعش فحدث ولا حرج، فأي مصيبة تقع على رأس العرب هي مكسب لإسرائيل، وحين تتأزم الأمور، تتحجج هي بعدم شعورها بالأمان في وسط يفتقر للاستقرار ويتسم بالعنف والتدمير.

خسائر العرب من هذا التنظيم المشؤوم متراكمة: مُدنٌ مُدمّرة وشعوبٌ منكوبة بالإبادة أو التهجير، أمنٌ مفقود ونزاعات وتشرذم لا حصر لها، خيرات منهوبة وقواعد مُعسكرة، طاقات مُهدرة ونظرة عالمية للعربي والمسلم كهمجي متطرف وخطير كرستها دوغمائية الدواعش وسلوكياتهم. لا يأتي أفول داعش إلا ونبرة الإسلاموفوبيا على أشدها، وبذلك تكون الظروف مواتية لتمرير أمريكا ورقة نقل السفارة حتى وإن تضرر منها العرب والمسلمين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store