Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

رؤية وجه الصحافة يتغير (2)

تكلفة نقل المعلومات انخفضت من مستوياتها العالية جداً في عصر "الإعلام الجماهيري" إلى "صفر" تقريباً في عصر "الإعلام اللامحدود"

A A
تحدثت في مقالي السابق عن التغيرات المذهلة التي طالت صناعة الإعلام في العقدين الماضيين نتيجة للتطورات التكنولوجية المتمثلة في ظهور الإنترنت ومن ثم شبكات التواصل الاجتماعي وثورة الهاتف الجوال.المثير في الأمر أن هذه التغيرات تحدث اليوم على مرأى من أعيننا متيحة لنا فرصة رؤية التاريخ وهو يتشكل ورؤية صناعة هامة وهي تتغير بشكل جذري تتبدل معه مفاهيمها الأساسية بشكل كان الكثيرون يرونه مستحيلاً قبل سنوات قليلة، بل إن البعض كان يسخر ويقلل من تلك التغيرات واصفاً إياها بالطارئة وغيرالمؤثرة إعلامياً.

يكفي أن نقول اليوم بأن تلك التغيرات امتدت لتشمل مفهوم «الإعلام الجماهيري» mass media نفسه، بل إن بعض المتخصصين يرى أن عصر الإعلام الجماهيري قد انتهى فعلاً وحل محله ما يسمى عصر الإعلام اللامحدود Infinite Media والذي جعل بإمكان أي شخص إنتاج وتوزيع المحتوى بتكلفة لا تذكر، وذلك خلافاً لنموذج الإعلام الجماهيري الذي يقوم على عدد قليل من المزودين الذين يرسلون المعلومات إلى عدد ضخم من المستقبلين. فكلمة جماهيري «mass» أصبحت في الإعلام اللامحدود تشمل كلا الطرفين المرسل والمستقبل بدلاً من طرف واحد فقط كما هو الحال في الإعلام الجماهيري. ويعود ذلك التغيير إلى سببين: سبب تكنلوجي، فالتطورات التكنلوجية السريعة خلال العقدين الماضيين ضاعفت بشكل كبير حجم المعلومات التي يمكن نقلها إلكترونياً وسرعة ذلك النقل، كما ضاعفت أعداد وأنواع الوسائل التي يمكن بواسطتها الدخول على تلك المعلومات. والسبب الثاني اقتصادي كنتيجة للانخفاض الحاد لأسعار عرض النطاق bandwidth والأجهزة المستخدمة على حد سواء، ومن المتوقع استمرار هذا الاتجاه بالنسبة للسببين في المستقبل المنظور.

تكلفة نقل المعلومات انخفضت من مستوياتها العالية جداً في عصر «الإعلام الجماهيري» إلى «صفر» تقريباً في عصر «الإعلام اللامحدود». ما حدث كنتيجة لذلك في 20 سنة بحد أقصى هو تمزق عوائق التكلفة والسعة التي كان نظام المعلومات العالمي يتسم بهما، وبالنسبة للعوائق المتبقية فإنها آخذه في الاختفاء بسرعة مع مواصلة ازدياد النظام الرقمي سرعة وسعة، ومع مواصلة اختراق الأجهزة الرقمية لكل المستويات الاقتصادية والجغرافية.

بالنسبة للإعلام الجماهيري القديم فإن هذه المرحلة هي بداية الغوص في محيط صعوبات عميق لا يعرف له قرار.

السؤال الآن هو كيف حدثت كل تلك التطورات، وما هو الأساس الذي قامت عليه والذي نقلها من جانب المستحيل إلى جانب الممكن والواقع؟ وهل هناك حد أقصى للتطورات التكنلوجية لا يمكنها تجاوزه؟ وكيف يمكن للعاملين في صناعة الإعلام الاستفادة من هذه التجربة لمواجهة أي تطورات جديدة حادة يمكن أن تؤثر على صناعتهم ووظائفهم أو حتى تلغيها؟ هذا ما سأتحدث عنه بحول الله في مقالي القادم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store