Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

نساءٌ في الملعب السعودي (1-2)

A A
نعم.. لا يمكن القول بأنه تم حلُّ كل تحديات التنمية في المملكة، ولم يبقَ شيءٌ لنتحدث عنه سوى دخول المرأة السعودية إلى الملعب لحضور مباراة كرة قدم.. لا يصحُّ هذا الاستنتاج حول أية قضية، صغُرت أو كبُرت، في عين باحثها.. ولا يصح، لا في المملكة، ولا في أي بلدٍ آخر في العالم.

والحقيقة أن النظر إلى قضايا المجتمع من هذا المدخل يمثل، بحدِّ ذاته، إشكاليةً نظريةً وعملية.. فظواهر المشهد الاجتماعي كثيرةٌ ومُعقدةٌ ومتداخلة، وهي تنتج عن حيويةٍ إنسانية هائلة توجد في المجتمع السعودي، مثلما توجد في غيره من المجتمعات، وتختلف معها الأولويات والأسئلة والشجون والاهتمامات.

لهذا، قلنا ونقول دائمًا إن تحدّي القدرة على التخطيط في المملكة هو غايةٌ في الخصوصية.. وذلك بالنظر إلى حجم وأبعاد وطبيعة التغييرات الهائلة الواقعة والمتوقعة فيها، وحجم النقلات (الطفرية) التي تشهدُها وستشهدها، والتي عادةً ما تصيب المخططين بالدوار.. سيما أننا نتحدث عن تخطيطٍ يدركُ أن هذه التغييرات هي نتيجة طبيعية لتفاعل بلد يُفترض أن يكون (استثنائيًا) مع متغيرات عالمية (استثنائية)، في وجود قرار بممارسة درجات (استثنائية) من الانفتاح.

تتأكد هذه الحقيقة أكثر إذا استحضرنا السرعة، التي تتغير بها المملكة.. والظروف الداخلية والإقليمية والعالمية التي تحيط بها.. والاستعجال الظاهر في كل مجال لـ»اللحاق» بالزمن.. ولـ (استدراك) ما فات.. ولـ (تعويض) ما مضى..

منذ أكثر من اثني عشر عامًا، نشرتُ في هذه الصفحة مقالًا بعنوان (ظاهرة رانيا الباز: قراءة في الدلالات الكبرى).. يمكن للقارئ العودة إلى تفاصيل قضية المذيعة السابقة، التي شغلت المملكة حينًا بعد أن ضرَبها زوجها وحُكم عليه لهذا السبب بالحبس والجَلد، ثم ظَهَرت على برنامج (أوبرا وينفري)، وخلعت غطاء رأسها، وذهبت إلى فرنسا، حيث أصدرت كتابًا عن قصتها.. رغم ذلك، ذكرتُ يومها أن: «الشخصنة لم تعد عنصرًا معتبرًا في القضية.. بمعنى أن الكلام لم يعد عن (رانيا الباز) الشخص.. لأن تطورات الموضوع الأخيرة حوّلته إلى شأنٍ عامٍ من المشروع تناولُهُ بالبحث والدراسة والاستقراء... فمنذ اليوم، وإلى أمدٍ لن يكون قريبًا، سيكون مطلوبًا من هذا المجتمع (السعودي)، ومن مجمل مكونات المنظومات الثقافية والاجتماعية والسياسية فيه، الاستعداد لتكرار هذه الظواهر الطّفرية الحادّة بشكلٍ يكاد يختلف عن أي مجتمعٍ عربي آخر».

والمُطّلعُ على أحوال وظروف ذلك الزمن يدرك أن ظهور قصة المذيعة إلى العلن وقتها، وتداولها بالشكل الذي جرى، بكل الظروف والملابسات التي أحاطته، لم يكن له أن يحصل لولا عاملان: ١- التحول الثقافي والاجتماعي والسياسي الواسع الذي يشهده المجتمع السعودي، ٢- وجود قرار ثقافي واجتماعي وسياسي بخصوصه، ذكرتُ يومها أنه «تمّ التوافق عليه، بشكل عفوي، في بعض الأوساط الاجتماعية والثقافية والإعلامية والسياسية.. وهو قرارٌ يهدف للتأكيد بأن هناك ممارسات اجتماعية سلبية لن يعود مسموحًا التعتيمُ عليها وإخفاؤها، أيًا كانت الدعاوى التي تُستخدم في السابق لممارسة عملية التعتيم.. وبأن على الثقافة السائدة، بجميع الدوائر المكونة لها، أن تدرك هذه الحقيقة».

لقد تم تخصيص أكثر من ١٠ آلاف مقعد للمرأة في ملعب الجوهرة بجدة.. وإذا حضرَ المباراة القادمة نصفُ هذا العدد من النساء فإن ذلك يعني أن آلاف الأسر في المدينة مهتمةٌ بهذا الموضوع بدرجةٍ من الدرجات.. هذا، بغض النظر عن كل شيءٍ آخر يحدث في المملكة اليوم. ثمة مواضيع وقضايا أخرى متنوعة، مختلفة عن هذا الموضوع، تهتم لها وبها آلاف الأسر الأخرى، بمن فيها من رجالٍ ونساء، وربما يرى هؤلاء أن أولوية اهتمام الجميع يجب أن تكون لها.. لكن هذا ليس من طبيعة سنن وقوانين الاجتماع البشري التي تحكم تطور المجتمعات.. وإذا استوعب المجتمع، وثقافته، الدلالات الكثيرة لهذا الموضوع المحدد بكل تفاصيله، فقد يرى أنه يصبُّ، نهاية المطاف، في استمرار حيوية اجتماعيةٍ لابد من وجودها على طريق الاهتمام بكل المسائل والاهتمامات، وإيجاد الحلول لكل المشكلات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store