Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

خالد الفيصل.. وسؤال الهوية الوطنية في زمن التفكك والاغتراب

No Image

A A
تحت عنوان عريض، هو سؤال الهوية الوطنية في زمن التقليد والتفكك والتغول على القيم الاعتبارية الكبرى للأوطان، جاءت خاطرة الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة ومستشار خادم الحرمين الشريفين «نشوة مواطن.. وعشق وطن» نابعة من قلب المواطن المسؤول والمسكون بحب الوطن من الوريد إلى الوريد.

برؤيته الثاقبة والواعية لما بين السطور، لم يكن صعبا أن يمسك الفيصل بدلالات ترك بعض الشباب السعودي للزي الوطني تحت دعاوى مختلفة منها حرية الحركة ومجاراة العصر والتقليد للآخر. والحقيقة على أرض الواقع تشير إلى أن المشهد ليس وليد اليوم ولا اللحظة، إذ كثيرا ما عمد بعض الشباب الراغبين في العمل على سيارة أجرة مثلا إلى ارتداء الزي الآسيوي حتى يستطيع استقطاب الزبون من الشارع بدعوى تفضيل الأسر السعودية للأجنبي. ومن هنا يثور السؤال، هل الأزمة بخطوطها العريضة شبابية، أم تتحمل مسؤولياتها الأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام.

دلالات الانتماء

** في خاطرة الفيصل لا يمكن إلا أن تتوقف أمام الدرس الأول الذي يجب أن يعيه أبناؤنا وتتلقفه مدارسنا وجامعاتنا والأئمة على منابر المساجد وهو حب الوطن الذي يعد التمسك بزيه من دلالات صدق الانتماء له، وأن ذلك لا يعني الانغلاق وعدم التطور على الإطلاق.

وهنا يقول سموه لشاب سعودي في مركز تجاري بالطائف مصورا المشهد الذي انتهى بتعجب ودهشة بالغة منه:

قلت: ولماذا لا تلبس الزي السعودي؟

قال: مفروض عليّ من صاحب المحل.

فعجبت.. ومشيت..

** لكن المؤلم حقا، كما يرى سموه أن الظاهرة لم تعد محدودة، وإنما انتشرت في كل مكان، وهو ما يستدعى طرح أسئلة عميقة عن معنى التغيير والتحديث، وهل يعني ذلك قطع الصلة مع الزي الوطني للآباء والأجداد، الذين عملوا في كل المهن قبل فترة الطفرة في السبعينات من القرن الماضي. والواقع أن المشهد كان من الضروري أن يلفت نظر خبراء علم الاجتماع من سنوات، للبحث عن أسبابه من خلال الغوص في المتغيرات الراهنة ورصد انعكاساتها في ظل غزو إلكتروني لعقول الشباب يستهدف إحداث قطيعة بينهم وبين مجتمعاتهم وقادتهم، وهو ما يجب أن نفطن إليه. وهنا يقول الفيصل:

وعدت من الجولة.. وأنا أفكر في هويتنا!

استعدت مظاهر الناس في شوارعنا..

ومتاجرنا..

ومطاعمنا..

ومدرجات ملاعب كرة القدم !

والأهم من هذا.. وذاك.. في مدارسنا وجامعاتنا.

إن هذه الكلمات المسكونة بالحزن يجب التوقف عندها، وليكن السؤال هو لماذا انتشر في مدارسنا وجامعاتنا الجينز المقطوع والكدش والسلاسل على حساب الزي الوطني، في زمن العولمة الذي يستهدف إبعاد الشباب عن أصوله ومرتكزاته الاجتماعية ليسهل السيطرة عليه فيما بعد. ولعلنا يمكننا القول بمزيد من الاطمئنان، إنها الحرب الثقافية القادمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لإبعاد شبابنا عن جذورهم وانتمائهم لوطنهم، بدعاوى الحرية الشخصية وكأن الدعوة إلى الالتزام بالزي الوطني فيها وصاية على فكره وحريته. لقد نجح البعض للأسف وهم من بنى جلدتنا في إشاعة مفاهيم مغلوطة، تحاول ربط زينا بالانغلاق وصعوبة العمل أثناء ارتدائه، وأن الانفتاح لا يعني سوى البنطال المقطع والساقط وغيرها من المشاهد التي يندى لها الجبين.

** ويصل سموه في تشريح المشهد ليقف على السؤال الخاطف:

هل هُز

مت الغترة والعقال والثياب...

أمام السّت

رة وبنطال الاغتراب؟!

هل ننشد التطوير.. أم التغيير فقط؟!

والحقيقة أن الإجابة عن السؤال لا يمكن إلا أن تكون بحزمة أسئلة، منها على سبيل المثال، لماذا وصلنا لهذا الحال، وهل التطوير يكون بهكذا حال يثير الشفقة والأحزان، وماذا سيصنع المسؤولون في الإعلام والمدارس والجامعات وخاصة جامعات منطقة مكة المكرمة التي انتشر في بعضها لبس البنطال والسلاسل والكدش، هل سنكتفي بالفرجة، أم سنعيد أنفسنا إلى مضمار الوعي بأهمية المكتسب الوطني وفي الصدارة منه الزي والانتماء لمنظومة القيم والمبادئ التي تربى عليها جيل الآباء. وتبقى الحقيقة ناصعة البياض، أن التطوير لا يعنى التغريب، وإنما استلهام القيم والاستفادة منها في مرحلة تحد واضحة المعالم يعيشها الوطن حاليا.

حب الأوطان

والواقع أن الرهافة الشعرية والإنسانية التي يتمتع بها الفيصل ما كانت لتتجلى بهذا الشكل المعبر، إلا من خلال إنسان عرف بحب وطنه والدفاع عنه ضد محاولات التغريب من أجل أن يبقى شبابه في اتساق مع الفطرة الأصيلة والقيم الإسلامية النبيلة. ولعل ذلك يبدو في هذا الحب المتدفق إلى الطائف موطن طفولة الأمير، فحب الوطن والذود عنه من الإيمان الكامل، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمكة وهو خارج مرغما منها «ما أطيبك من بلد وأحبك إلى، ولولا أن قومي أخرجوني ماسكنت غيرك».

وهنا يصور سموه المشهد بالقول في بداية خاطرته

أنخت ركابي في الطائف..

هذه المدينة الجميلة التي قضيت عشر سنوات من عمري طالبًا في مدرستها النموذجية..

كنت أشاهد جمالها وهو يُبهرُ نظّ

ارها..

وأتابع أحلامهــا وهي تتخـطّى

أسوارها..

واليــــــوم أراهــــا تنافــس كبريــات المدن..

وتستــعيد مكانـــها مصيفـــــا للوطــــن..

نعم، فالطائف اليوم تتجدد في شرايينه مسيرة التنمية تحت قيادة المهندس خالد الفيصل من خلال مشروعه الجديد الذي سيغير معالم المحافظة بالكامل، وقد كانت جولة سموه الأخيرة بمثابة سطر جديد في بنائه والاطمئنان على مخرجاته إنسانا ومكانا. وانطلاقا من كل هذه الاعتبارات وجب علينا توجيه التحية لهذا الفارس النبيل، مع دعوة لأن نتحرك جميعا ونتوقف أمام أسئلته الجديرة بالتقدير والاحترام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store