Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لولو الحبيشي

نحن والناس!

A A
أقصر الطرق لهدر العمر؛ الانشغال بالناس، والمشغولون بالناس إما فضوليون وحُسَّاد يهدرون أوقاتهم في مراقبة الناس وتتبع زلاتهم وترصُّد أرزاقهم ومعارضة ما قدَّر الله لخلقه، وما وزَّع من رزقه، وفوق هذه الخسارة الجسيمة لا يكسبون من فعلهم هذا إلا مشاعر النقمة، أو مثلبة سوء الظن والغيبة، وقد يبلغ إغراء الأمر حين يستشري ويستغله إبليس في الإغواء ويُحوِّله لنزعات ونقاط ضعف، أن يُراقب أحدهم الآخرين وهو داخل في الصلاة وبين يدي الله، فيُقيِّم عبادتهم، ويُقحم نفسه بينهم وبين خالقهم، ناسيا واجباته في الخشوع والتذلُّل لله، غير مكترث بتقصيره وتجاوزاته وذنوبه.

وربما استمرأ هؤلاء هذا السلوك القبيح، وتمادوا فيه، حتى بلغ تزكيتهم لأنفسهم، وتخيلهم أنهم ظل الله في الأرض، والناطقين باسمه، فلا يرون الآخرين إلا جهلة ينبغي تعليمهم، أو خاطئين ينبغي استتابتهم.

الصنف الآخر من المشغولين بالناس، أولئك الذين يُقيِّدون حياتهم بتوقُّع ردود أفعال الناس، والتخوف منها، واتخاذ القرارات المصيرية تحت ضغط التوجس من الناس وعدم الثقة بالنفس، فتضيع الفرص وتنحسر السعادة، ويصبح الناس شركاء رئيسيين في الحياة، لهم منها نصيب مفروض، وهؤلاء يبقون تحت غيبوبة (كلام الناس)، حتى يمضي العمر وتبلغ الخسائر الحد الذي لا يمكن تعويضه، حين يفعل الناس ما أحجم عن فعله خوفا منهم.

الناس جزء من حياتنا، قد يكونون مصادر سعادة وملهمي نجاح، وقد يكونون صُنَّاع تعاسة وجالبي هموم، ونحن بكل الأحوال مَن يُوزِّع الأدوار عليهم ويمنحهم صلاحية الدخول والتأثير في حياتنا، قد نتهوَّر ونرتكب حماقات لنلفت نظر الناس، وقد نحجم عن اقتناص فرصة لا تُعوَّض تحسبا لنقد الناس، أما الناس فلا علاقة حقيقية لهم بإدارة حياتنا وصناعة قراراتنا، التحرُّر من قيد الناس استثمار لموارد الحياة والتركيز على غاياتنا وتحقيق أهدافنا بمعزل عن نفوذ الناس يجعلنا أقدر على النجاح وأسرع للوصول إليه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store