Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

أوهام الغذامي التشريحية!!

كما أن الغذامي يتجنَّب (ترجمات) يظن أنها أقرب لترجمة المفهوم، لكنه يرفضها لأنها قد تتضمن دلالات سلبية. والسؤال هنا: ماذا لو كانت الدلالة السلبية أصيلة ضمن دلالة المفهوم الأصلي؟!، وأي حرية -لا تتعارض مع الأمانة العلمية- تجعلنا نتجاهل هذه الدلالة في هذا السياق؟!.

A A
تحدثت في مقالٍ سابق عن مشكلة ترجمة المصطلح النقدي الغربي في الثقافة العربية، وما تؤدي إليه من ارتباك، وتشتيت للقراء والطلاب خصوصاً. وقلت إن استعجال بعض النقاد في نقل المصطلحات من غير إلمام بشروط الترجمة، ومن غير اهتمام كافٍ بالمرجعيات الثقافية والمعرفية لهذه المفاهيم يُمثِّل عاملاً من العوامل التي قادت

إلى المشكلة.

وأعتقد أن ناقدنا الفذ عبدالله الغذامي يمكن أن يكون مثالاً جيداً في هذا السياق؛ خصوصاً بعدما بث عبر قناته على اليوتيوب مقطعاً يشرح فيه مصطلحه الشهير «التشريحية»، الذي يظن -واهماً- أنه يمكن أن يكون ترجمةً للمفهوم المعقد (deconstruction

).

نعرف جميعا أن الغذامي اعتمد هذه الترجمة منذ كتابه الأول (الخطيئة والتكفير)، وما أورده في المقطع ليس إلا تلخيصاً مختصراً لما ذكره في الكتاب، وهو ما يعني أن الغذامي لا يزال عند قناعاته نفسها حول المفهوم؛ رغم أن المتخصصين في النقد الحديث وفي الترجمة يدركون أن ترجمته خاطئة، وأن

فهمه للمصطلح ليس دقيقاً.

من المعروف أن التشريح عربياً هو المرادف لـمصطلح “anatomy” الإنجليزي، الذي يشير عادة إلى العلم الطبي الشهير. وكذلك تفعل المعاجم العربية، ويعرف ابن منظور التشريح بـ»قطع اللحم من العظم». لكنه يضيف بأن (شرح) تعني الكشف أيضاً، كأن يقال: «شرحت الغامض إذا فسرته». يلتقط الغذامي هذه الإشارة، في ترجمته لـ (deconstruction)، رغم معرفته السابقة بأن نقاداً آخرين ترجموا المفهوم إلى مقابلات أكثر دقة مثل (التفكيك، التقويض، الانزلاق). وقد سبق للغذامي أن اطلع على هذه الترجمات، لكنه يرفضها كلها لأن لها أبعاداً، أو (إشارات) سلبية، قد تضر المعنى. لذلك يفضل (تشريحية) لأنها تعني تفكيك النص لغرض إعادة تركيبه. (وهذا فهم خاطئ حتى لمفهوم رولاند بارث بطبيعة الحال). لعلي أتساءل هنا عن مدى علمية، أو موضوعيةِ، أن يُقحم المترجم مشاعره في قراراته للترجمة! وما مدى حريتنا في ترجمة ونقل مفاهيم من لغات أخرى، دون معرفة راسخة وكافية بقوانين الترجمة؟، كما أن الغذامي يتجنَّب (ترجمات) يظن أنها أقرب لترجمة المفهوم، لكنه يرفضها لأنها قد تتضمن دلالات سلبية. والسؤال هنا: ماذا لو كانت الدلالة السلبية أصيلة ضمن دلالة المفهوم الأصلي؟!، وأي حرية -لا تتعارض مع الأمانة العلمية- تجعلنا نتجاهل هذه الدلالة في هذا السياق؟!

.

لا شك لديَّ أن الغذامي أحد أهم النقاد في الثقافة العربية، لكني لا أعتقد أنه مترجم ناجح.. لذلك لا أثق في ترجماته أبداً، من هنا أحرص على العودة للمصادر الأصلية للتأكد.. لكني أفكّر دوماً في أولئك الذين لا يستطيعون فعل ذلك!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store