Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

كلام في الأحلام

من الواضح في نظري ارتباط الأحلام وتفسيرها بالثقافة الشخصية والـمرجعيات التـربوية الاجتماعية والاضطرابات النفسية والـمشاعر الكامنة وخيالات اليقظة، وتظهر نتيجة تـحرّر العقل الباطن خلال النوم من تـحكّم العقل الواعي خلال اليقظة

A A
يـمر الإنسان خلال دورات نومه بـمرحلة «النوم الـحالـم» بشكل مُتكرر، وتصبح تلك الـمرحلة أكثر كثافة وامتداداً في النصف الثانـي من الليل، وتعرِض على الإنسان خلالها أحلاماً تتميّز بالوضوح وتسلسل الأحداث التـي يتذكّر معظمها عند الاستيقاظ من النوم.

ولا يزال كثيـر من الغموض يـُحيط بـماهية الأحلام ومعانيها وأسبابها ومظاهرها، على الرغم من تناول كثير من الباحثين - على اختلاف مرجعياتـهم - لـها بالتفصيل والتدقيق، ومن ضمنهم «سيجموند فرويد» الذى رأى أن «الأحلام وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتـها ودوافعها الـمكبوتة في الواقع»، إلا أن معظم تلك الآراء لايلبـّي شغف كثيـر من الناس ونهَمهم لتفسيـر هذه الظاهرة العجيبة الـمُثيرة للجدل.

لكن من الناحية العِلْمية الـمُثبتة، فالأحلام ترتبط بنشاطٍ ذهنـي لا يهدأ خلال النوم، وبـخاصة خلال مرحلة النوم الـحالم التي يتعرّض فيها الإنسان لصورٍ وخيالاتٍ تتعلق بـحوادث ومواقف سابقة، ورغبات كامنة ومشاعر مُـحتقنة تتـراكم خلال ساعات اليقظة، لتظهر للنائم على هيئة أشكالٍ وصور قد يكون بعضها مُـخيفاً ومزعجاً، كما في اضطراب الكوابيس الليلية، أو مُـمتعاً سعيداً كما في الرؤى، ويُعتقد أن الـمرور بـمرحلة النوم الـحالـم يساعد على تعزيز الذاكرة وآلية التعلّم، والتعامل السليم مع الـمشاعر والذكريات الـمُؤلمة والحسّاسة، وهذا من الرّحـمات الإلـهية لتفريغ شُحنات نفسية سلبية.

من الواضح في نظري ارتباط الأحلام وتفسيرها بالثقافة الشخصية والـمرجعيات التـربوية الاجتماعية والاضطرابات النفسية والـمشاعر الكامنة وخيالات اليقظة، وتظهر نتيجة تـحرّر العقل الباطن خلال النوم من تـحكّم العقل الواعي خلال اليقظة، وهي -أي الأحلام- لا تستدعي كثيـراً من الاهتمام الشخصي، فمعظمها أضغاثٌ لا تـحتمل تفسيـراتٍ أو تأويلات، ولا تستدعي تسابق بعض الناس لـمحاولة تعبيرها، بل إن بعض الأحلام قد يظهر نتيجة تناول علاجات دوائية أو مواد معينة، أو الـمعاناة من أمراض عضوية ونفسية معروفة، أو الـمرور بـصراعات فكرية وتـجارب اجتماعية طارئة، فكان من غيـر الـمنطقي ولا الـحكمة الاعتماد على ما يراه الشخص في أحلامه للتخطيط لـمستقبله أو اختياراته، أو الهَوس باللجوء لتأويلها من مدعي تفسيـر الأحلام كنوع من الـهروب من الواقع، والاحتماء بالأوهام كنوع من العزاء والسلوى، وهو ديدنٌ بِدائي ساذج، لا يضاهيه سذاجة وجهلاً، إلا من يتخذ من الأحلام شريعةً ومنهاجاً لـمعتقداته وحياته، أو استشرافاً لـمستقبله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة