Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مسلمو أوروبا.. بين الهوية والاندماج

يواجه المسلمون في أوروبا، وفي غيرها من ديار الاغتراب والهجرة تحديًا مزدوجًا، يتمثل في رغبة المجتمعات المضيفة لهم في أن يندمج المهاجرون، ويكتسبوا ثقافة البلاد، وعاداتها، وقيمها من ناحية، وحرص هؤلاء

A A

يواجه المسلمون في أوروبا، وفي غيرها من ديار الاغتراب والهجرة تحديًا مزدوجًا، يتمثل في رغبة المجتمعات المضيفة لهم في أن يندمج المهاجرون، ويكتسبوا ثقافة البلاد، وعاداتها، وقيمها من ناحية، وحرص هؤلاء المسلمين على الحفاظ على ثقافتهم، وتراثهم، ولغتهم، ودينهم من ناحية أخرى.ولولا بعض الغلو لدى هذا الطرف أو ذاك؛ لأمكن بسهولة تحقيق التوازن بين الاتجاهين، فالإسلام دين لكل زمان ومكان، والالتزام بالثقافة الإسلامية، والهوية الذاتية لا يمكن أن يتضارب مع الأخلاق العامة والقيم الإنسانية المشتركة، ولكن أن يذهب بعض المسلمين المهاجرين إلى الغرب، ثم يرفضون الاندماج في المجتمع، ويستنكفون عن تعلّم لغة البلاد المضيفة، حتى بعد أن يمضوا فيها عشرات السنين، ويمتنعون عن المشاركة في النشاط الاجتماعي، والثقافي، والإنساني في القرى والمدن والأحياء التي يسكنونها، ويسعون إلى تحويل مناطق إقامتهم إلى نسخ مكررة من مدنهم وقراهم الأصلية، فإن هذا حري بأن يثير عليهم حفيظة الناس، ويؤلّب ضدهم المشاعر، وإذا أضفنا إلى ذلك أن بعضهم يستفيد من مزايا الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، وبدلات البطالة في وقت تمر فيه بلدان أوروبا بأزمة اقتصادية عصيبة، فإن هذا أدعى إلى إثارة النقمة ضدهم، وإلى تحفيز السياسيين المتطرفين إلى استخدام وجودهم وقودًا لحملاتهم الدعائية والانتخابية، أمّا إذا لجأ بعضهم إلى العنف ضد البلاد المضيفة لهم. وانخرطوا في أعمال إرهابية تحت أي ذريعة، أو حجة، فإن هذا كفيل بأن ينال الغضب من أهل البلاد الأصليين أقصاه، وأن ينعكس هذا الشعور على كل المسلمين، الأبرياء منهم والمذنبين، بالاضطهاد والمضايقة، وربما الإيذاء البدني في بعض الحالات. وبالمقابل فإن إصرار بعض فئات المجتمعات المضيفة على أن يندمج المهاجرون بالكامل، وأن يفقدوا صلتهم بأوطانهم الأصلية، أو بدينهم وثقافتهم، هو بالتأكيد مظهر من مظاهر التمييز العنصري، الذي لا ترتضيه الأعراف والقيم الإنسانية، ولا تقبله الأديان السماوية، وقد يستتر بعض هؤلاء خلف حجج واهية؛ ليمارسوا أشكالاً من الدمج القسري مثل منع الفتيات من ارتداء الحجاب في المدارس، والأماكن العامة، أو منع بناء المنائر على المساجد، أو عدم السماح للعاملين بأداء الصلاة المكتوبة، أو حتى بالصوم في بعض الحالات، وكل ذلك من أنواع التعسّف الذي لا يساعد على الاندماج الطوعي المبني على التفاهم والمودة والألفة.قلة من الطرفين تقوم بمثل هذه الممارسات، ولكنها مع الأسف قلة مؤثرة تنعكس أفعالها وتصرفاتها على كثير من المواطنين والمهاجرين المسالمين المحبين للعيش المشترك، المنشغلين باحتياجات الحياة وتبعاتها.. وعلى قيادات المسلمين في المهجر مسؤولية كبيرة نحو تنوير إخوانهم، وإرشادهم إلى السبيل القويم، وكذلك نحو تكثيف التواصل مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلدان المضيفة لتعزيز قنوات الحوار، وتأصيل روح التسامح، وتعزيز الثقة والتفاهم بين الجانبين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store