لا مساومة على صحة الطلبة مهما كانت المُبررات، وعلى الجهات ذات العلاقة أخذ هذا الأمر في أعلى سُلّم أولوياتها، ولكن أن يُصطاد في الماء العَكِر وتُصفى حسابات شخصية بناءً على معلومات مغلوطة فهذا «الجَرَب الفكري» بعينه، فالمفروض أن تكون شفافية البيانات المُعلنة من وزارة التعليم بشأن مرض الجَرَب الذي أُصيب به بعض طلبة مدارس تعليم العاصمة المُقدسة هي الأساس الذي نبني عليه، أمَّا أن نُطلق العنان لوكالة «يقولون» التي سهلَّت تواصلها وسائل التواصل الاجتماعي ودعمتها ببعض المقاطع المُركَّبة والصور المُهيِّجة وهم أبعد ما يكون عن موقع الحدث وتداعياته فهذا تجنٍّ مقصود يُفترض ألاّ يُعوَّل عليه.
لقد صاحب المرض هيجان في تويتر وكلٌ أدلى بدلوه، ووصلت الأرقام المُصابة بالمرض فوق الـ 10000 تبعاً لإحصائيات تويتر وتوابعه من وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الذي لم تتجاوز 189 حالة وفقاً لبيان صحة مكة الذي نشره الموقع الرسمي لإمارة منطقة مكة المكرمة، الأمر الذي يعكس أن وراء الأكمة ما وراءها من مستفيدي إثارة الزوبعة حول الواقع الفعلي للمرض، أما زيارة وزير التعليم فحدِّث ولا حرج فقد أرعد الخلق وأزبدوا حولها بشكل ظهر جليِّاً أن الدافع ليس المرض في حد ذاته بل هو مُخرَج تراكمات لمواقف سابقة معه، حيث حاولوا الاقتصاص منه بشتى الطرق ونشروا أن زياراته للمدارس الـ vip فقط بينما المدارس المُتضررة من الجَرَب لم تكن في أجندة معاليه، في الوقت الذي أكد شهود عِيان أن الزيارة شملت في غالبيتها مدارس الأحياء التي أُصيب بعض طلابها بهذا الداء.
لستُ هنا مدافعاً عن طرف ضد آخر، بقدر ما أسعى لمناقشة الوضع بكل هدوء بهدف تأكيد الحقيقة ونبذ الإشاعة، ووضع حدٍ لهذه الممارسات غير اللائقة الممتلئة بها وسائل التواصل الاجتماعي لأنها ستؤسس ثقافة للشك في كل المصادر الرسمية، إضافة إلى تشكُّل فكرٍ جمعي يرتهن للقشور ويقفز على الحقائق ويُحوِّل إيجابيات هذه الوسائل إلى سلبيات سينعكس أثرها على البُنية الأسرية تحديداً والتركيبة المُجتمعية عموماً؛ فهل نرى إستراتيجيات وطنية تستهدف التوعية والتثقيف لتداعيات هذه الممارسات؟ أم سيكون الحل الأمثل هو فرض العقوبات الرادعة وفقاً للائحة الجرائم الإلكترونية التي نسمع عنها ولا نرى لها طحناً خاصة فيما يتعلق بوزارة بحجم التعليم وتشعُّب عملها مع كافة شرائح المُجتمع.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
