Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبد الرحيم كنسارة

القمل والنقّاد والحلّاقون!

A A
•• يحكى أن رساماً أنهى لوحته، وشعر أنها الأجمل على الإطلاق، ومن فرحته بإنجازه قرر أن يأخذ رأي الجميع. كتب بجانبها «من يرى خللاً فليضع إشارةً حمراء فوقه». ثم عاد في المساء ليجد رسمته مشوهةً بإشارات كثيرة، لدرجة أن اللوحة الأصلية بدَت مطموسةً تمامًا. عندها تملّكه الإحباط وقرر ترك الرسم فذهب إلى معلمه، الذي شجعه ونصحه بتغيير العبارة فقط! ليرسم نفس اللوحة من جديد ويكتب بجانبها: «من يرى خللاً فليُمسك الريشة وليصلحه». ماذا حدث؟ لم يقترب أحدٌ من اللوحة أبداً.

•• هذه أبرز آفات الناقدين؛ أنهم (قد) يجدون الجوانب السلبية، ولكنهم لا يملكون المعرفة ولا القدرة على إصلاحها. وربما يستساغ هذا أحياناً، طالما كان النقد بهدف التجويد، ولكن المشكلة فيمن ينتقد لمجرد الانتقاد، أو التشويه، أو التعييب، أو لمحضِ الغيرة والحقد. وهو من أركِّز الحديث عليه.

•• فقد لاحظت كثيراً من البشر، مصابين بشهوة الانتقاد، لكل شيء، وفي كل خبر، وضد أي شخص لا يعجبهم. تجد أحدهم يستمع لقول فلان، وهو يفكّر في كل التفسيرات المعيبة التي يستطيع بها تأويل كلامه، ليشنّ نقده اللاذع الذي يتباهى بإجادته. «‏أنا أكره الذين يتصيّدون الألفاظ، ثمّ يلبسونها معاني من عندهم» وهذا أبشع ما قد يصل إليه النقد الحاقد.

•• والآفة الأخرى للنقّاد، وأكثر ما يثير انزعاجهم، كما عبّر غازي القصيبي رحمه الله، «أنهم، بخلاف منتقديهم، لا يتحولون لنجوم!» فتصيّد أخطاء الناجحين وانتقادها لم يجعل أحداً مشهوراً ولا ناجحاً من قبل. ولم يتلقّ أحدٌ من النقد الجارح كما نال القصيبي رحمه الله، فبقي الزمان شاهداً على عظمته وصغر ناقديه الذين لا يذكرهم أحد. وما زلت مبهوراً بما قرأته له ساخراً عندما قال: القمل والنقّاد والحلاقون يعيشون من رؤوس الآخرين!

•• والسؤال، كيف تضمن أن ما ستتفوّه به نقدٌ نزيه وصالح؟ في تقديري هناك ٣ أنواع من الأسئلة «الفلاتر» التي يجب أن تسبق العملية الانتقادية، أولها: أن تسأل نفسك ما الهدف من النقد؛ هل لأشوّه عمل الآخر؟ أم لأفسد فرحته؟ أم لأُضيف؟

ثانياً: هل لي علاقة بالموضوع لأُعلّق؟ أو طُلب رأيي؟ أم هو مجرد تطفّل وتلقّف؟

ثالثاً: كيف سأنتقد؟ هل سيكون أسلوبي لبقاً ومناسباً ؟ أم أفوّض المهمة لغيري؟

•• والأحرى بِنَا دوماً، أن نهتم بنقد الذات، وننشغل بعيوبها، ومن ثمّ ننظر بعين الرضا والقبول والاستيعاب لكل شيء:

«وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ

ولكن عين السخط تُبدي المساويا «

•• ختاماً، تخلَّ عن شهوة انتقادك، ولا تفسد فرحة الآخرين بإنجازاتهم، مهما كان منظورك الانتقادي يرى هذه الإنجازات خديجة أو ناقصة. درَّب نفسك على رؤية الجمال، وامتداحه، والاحتفال به، والنأي عن النفس، بالانشغال بنواقص النفس، والسلام.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store