Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

دهشة الأسلوب

A A
• كثير من الكلمات تؤدي لنفس المغزى، تستطيع إخراج كلمة تجعل مَن أمامك يكرهُك، وتستطيع أيضًا اخراج كلمة أخرى بنفس المعنى تجعل من أمامك صديقاً لك. الكلمة قبل أن تخرج لابدّ لها من تليين وتزيين وتلميعْ. لذلك لابدّ أن تكون ماهراً في إخراج ديكور متألق من الكلمات تحت مسمّى الأسلوب!

• وأقصد بهذه المهارة، مهارة الأسلوب، أن تكون بارعاً في تصفيف الكلمات وتكوين المعاني واختيار المناسب منها، فتبعث الدهشة بحديثك. أن يكون أسلوبك جذاباً، مقنعاً، جالباً للمحبة والقبول، فتكسب كل فرصك. أن تكون لطيفاً، ينحدر العسل والسكر من كلماتك، فتربح مفاتيح القلوب، وتأكل بعقل الآخرين «حلاوة» كما يقولون.

• إن الناجحين والمؤثرين، في أي مجال، لديهم الكثير من الصفات المشتركة. وأنا مؤمن بأن من أهمها براعة الأسلوب. لفتني موقف بسيط للأديب ياقوت الحموي، حينما أراد الترجمة لابن الجنِّي، أحد علماء العربية، الذي كان (أعور العين)، فحين همَّ بوصفه قال، ‏بأسلوبٍ لبقٍ وذوق عال: «كان ممتّعًا بإحدى عينيه..»!

• ولما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجموعة من الناس موقدين النار من بعيد، اقترب منهم ونادى: «يا أهل الضوء»! ولم يقل يا أهل النار ذوقاً وخشيةً من أن تجرحهم الكلمة.

• وعندما جاء شخص للغزالي رحمه الله، وسأله عن حكم تارك الصلاة؟ ربما كان السائل ينتظر فتوى تفسيق أو تكفير. ولكن الشيخ لم يكفّر ولم يزجر. بل قال بلين: حُكمه أن نأخذه معنا إلى المسجد.

• أدهشني موقفٌ آخر رُوي لي، والعُهدة على الراوي، أن وزير التربية السابق محمد الرشيد رحمه الله زار إحدى المدارس بشكل مفاجئ، ولم يجد مدير المدرسة في مكتبه، فأكمل الزيارة وجال بالفصول، المعامل، مكاتب المعلمين، وكانت الأمور على ما يرام. رجع -مرة أخرى- لمكتب المدير فلم يجده. ماذا فعل؟ أخذ دفتر الزيارات وكتب فيه: «أخي المدير.. جئت إليكم فلم أجدكم.. ولكنّي وجدت أثركم؛ كريح العود.. نشمّه ولا نراه!». ولكم أن تتصوّروا قوة أثر هذا الأسلوب ودهشته في نفس الموظف.. كبّر المدير الرسالة (وبروزها) على حائط مكتبه واجتمع بالمعلمين وأكّد عليهم بأن يقوموا بتحفيز طلابهم، وقال «رغم أني مللت من روتين الوظيفة مدة 20 سنة، ولكن الآن أشعر والله وكأنّ روحي انتعشت من جديد».

• إن الأسلوب هو أروع تسويق لشخصك، وبه تصنع آفاقاً عظيمة للآخرين.. كن مدهشاً بأسلوبك.. وتذكر أن عباراتك لا تذهب سدى، ولا بالمجّان، بل أثرها راجع إليك لا محالة.. وكما تعبّر إليف شافاق، فإن «الكلمات التي تنبعث من أفواهنا، لا تتلاشى. بل تظل في الفضاء اللانهائي إلى ما لا نهاية، وستعود إلينا في الوقت المناسب»!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store