Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الصالح: لهذا السبب اتصل بي الملك سلمان والأمير نايف أذهلني بسرد المواقف

No Image

تعزيز الوسطية في المناهج ومواجهة الفكر الإخواني في الجامعات

A A
على الرغم من الطبيعة الرمضانية لهذا الحوار، إلا أن تجربة ضيفي الواسعة في ميدان التعليم، استحوذت على الجزء الأكبر منه، وبخبرة السنين الطويلة، صال وجال بمبضع الجراح محددا مكامن الخطر وواضعا الحلول بحرفية واحترافية بكلمات قليلة وعبارات صريحة. ففي مجال التعليم العام، يخشى ضيفي د. ناصر بن عبدالله الصالح المدير الأسبق لجامعة أم القرى، عليه من ذات الأمراض السابقة ومن أبرزها التلقين والتكدس وضعف المخرجات، أما في التعليم الجامعي فهو وإن كان يأخذ على بعض الجامعات بقاء مخرجاتها دون الطموح، إلا أنه يعول علي التطوير الجديد الذي يستهدف تعزيز استقلاليتها في المرحلة المقبلة. وبصراحته المعهودة يؤكد أن التعليم العام خضع لعملية غربلة لإزالة ما قد يكون علق به من شوائب، وذلك بهدف تعزيز التسامح الديني والوسطية والاعتدال في نفوس الطلاب.

أما فيما يتعلق برمضان، فقد بدا الصالح مهموما لما آل إليه الوضع الآن، مشيرا إلى أن غالبية البيوت في الوقت الراهن منشغلة بمتابعة المسلسلات ووسائل التواصل الحديثة، ولا تكاد تجتمع الأسرة على مائدة واحدة، فإلى نص الحوار:

الولادة والمكان ؟

مكان الولادة الحقيقية هو مدينة المجمعة قاعدة سدير والمسجل في الهوية الوطنية المدينة المنورة ولا أعلم سببًا لهذا التفاوت، وقد قدم الوالد -رحمه الله- إلى المدينة المنورة عام 1364هـ وكان عمري آنذاك نحو سنة ونصف وكانت أسرته برفقة سماحة العم الشيخ عبدالعزيز بن صالح -رحمه الله- عندما جاء مكلفًا من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للعمل في قضاء طيبة الطيبة مع كل من الشيخ عبدالله بن زاحم والشيخ عبدالمحسن الخيال رحمهما الله.

** حياة الناس في ذلك الوقت كيف كانت ؟

كانت بسيطة ومتمحورة حول المسجد النبوي الشريف وما يمثله من عبق النبوة وذكريات العاصمة الأولى للدولة الإسلامية، ولذلك عرف عن أهل المدينة الطيبة وحسن الخلق والتعامل الرقيق والعشرة الجميلة وكانت جميع الأسواق وما يلزم الأسر في مجال محدود من المكان وكذلك دور التعليم والإدارات العامة الحكومية وغيرها، وكان المجتمع متماسكًا والأسر متحدة متآلفة.

آثار العيش في المدينة

** كيف تنظرون إلى تأثير المكان على شخصيتكم؟

كل من عاش بالمدينة المنورة يحس بالأمان والطمأنينة والهدوء والسكينة ويشعر بروحانية المكان، وكل ذلك ينعكس على تعامله مع الآخرين واحترام خصوصية البقعة المشرفة التي يعيش فيها.

كيف كانت بدايتكم فى الكتاتيب؟

لا أذكر أنني التحقت في صغري بالكتاتيب المنتشرة في المدينة المنورة وخاصة جوار المسجد النبوي الشريف، وكانت بدايتى المدرسة الابتدائية في المدينة المنورة وهي المدرسة السعودية وكانت المناخة ثم انتقلت إلى السحيمي. ولا أذكر من زملاء المدرسة فيها أحدًا إلا أنه كان من بين الإداريين محمد حميدة والفمقمجي رحمهم الله. وقد سبق أن تطرقت إلى ما كان ذلك الزمان من ملامح.

مشاعر مع مدفع رمضان

مدفع رمضان بماذا يذكركم ؟

كان مدفع رمضان في المدينة المنورة علامة بارزة لهذا الشهر المبارك، فهو في وقت الإفطار إعلان لفرحة الصائم وما يجده من لذة الإفطار بما لذ وطاب وما سيجده عند الباري عز وجل من أجر وثواب عظيم، وهو في وقت السحور تذكير ببركته وثواب تأجيله ولذة مناجاة خالقه في وقت تستجاب فيه الدعوة. وجميعها تذكرنا بما كان عليه رمضان من تلاقي الأسر على موائد الإفطار والسحور وما ينتج عن ذلك من السرور والحبور وصلة الأرحام والبر بالفقراء والمساكين.

وكيف ترون رمضان في ثقافتنا المجتمعية ؟

كان رمضان في زمن غابر شهرا تغمره الروحانية وفرصة للتعبد والتأمل واجتماع الأسرة وصلة الأرحام والإنفاق في سبيل الله، وبالنسبة للأطفال يمثل فترة جيدة ليزاولوا لعبهم الشعبية في الحارات وقد تغير الحال في وقتنا الراهن فالبيوت – إلا من رحم الله – منشغلة بمتابعة المسلسلات ووسائل التواصل الحديثة. ولا تكاد تجتمع الأسرة على مائدة واحدة فكل فرد منهم في فلكه يدور.

من يشدكم أكثر الكتاب أم الشاشة ؟

ارتباطي بالكتاب وثيق سواء المطبوع منه أو الموجود على الإنترنت ويشمل ذلك البحوث المنشورة، أما الشاشة فمتابعتي لها تقتصر على الأخبار والأفلام الوثائقية.

رمضان في الخارج

كيف كانت تجربتكم في رمضان بالخارج؟

تمتد لأكثر من ست سنوات منها سنوات اللغة ودراسة الماجستير بالولايات المتحدة ودراسة الدكتوراه بإنجلترا ولي فيها ذكريات جميلة كالفطور مع الزملاء وكذلك السحور في الفترة الأولى من الدراسة أما الفترة الثانية فقد قضيت رمضان مع العائلة في مدينة درم بإنجلترا.

من الشخصيات التي تأثرتم بها في مسيرتكم العملية الطويلة؟

تأثرت كثيرا بالوالدين رحمهما الله كما ذكرت سابقًا، وجدي عثمان بن صالح الصالح رحمه الله الذي كان مستقرًا في المجمعة وكنت أزوره وأقيم عنده لفترات عندما كنت أدرس في الجامعة بالرياض وكان من الوجهاء والأعيان يجتمع عنده في مجلسه كل يوم بعد صلاة الظهر ثلة من أعيان المجمعة لتبادل الأحاديث حول السياسة والاجتماع والاقتصاد والتاريخ وكان رجلاً عصاميًا محبوبًا ذا كلمة نافذة ورأي صائب وحكمة بالغة وقد تعلمت منه الكثير عن تاريخ الأسرة وأساليب المعيشة في زمانه. والشخصية الثانية التي تأثرت بها كثيرًا سماحة العم الشيخ عبدالعزيز بن صالح (رحمه الله) إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف ورئيس المحاكم الشرعية بمنطقة المدينة المنورة لأكثر من 45 سنة، حيث كنت مع والدي وأسرته نعيش في كنفه وفي منزل واحد ولفضله عليّ ووفاء له فقد ألّفت كتابًا يوثق مسيرته وسيرته العطرة. أما الشخصية الثالثة فهو الأستاذ عثمان الناصر الصالح -رحمه الله- المربي الكبير والكاتب المبدع وقد كنت أرتاد مجلسه وأزوره مرات عديدة عندما كنت أدرس بالرياض، كما كنت أحظى بالاجتماع به في زياراته المتكررة للمدينة المنورة للسلام على العم الشيخ عبدالعزيز رحمه الله. ولي مع المربي الكبير ذكريات دونتها في مذكراتي، كما أن لي مواقف مع ملوك وأمراء ووزراء في هذا الكيان السياسي الحبيب لا زالت عالقة في ذهني وستكون موضوعًا خاصًا في مذكراتي التي ستنشر قريبًا.

ما النماذج التعليمية والأكاديمية التي أثرت فيك؟

النماذج التعليمية التي ارتويت منها متعددة منها مدرسة الأسرة فقد كان الوالد رحمه الله على إطلاع واسع في علوم الشريعة والتفسير والتاريخ والتوحيد وأصول الدين ثم هناك سماحة العم الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصالح -رحمه الله- الذي كان له مجلس يومي بعد صلاة العصر وبعد صلاة المغرب تتم فيه الدروس الدينية في مختلف المجالات من العلوم أما في المدارس النظامية فقد كان هناك ثلة من المدرسين ذوي الكفاءات العالية وفي جامعة الملك سعود بالرياض تتلمذت على علماء فطاحل أذكر منهم العالم مصطفى السقا والدكتور عبد العزيز الخويطر والأستاذ الدكتور عزت النص والدكتور يوسف الأنصاري والدكتور محمد مصطفى عامر والدكتور شاكر الخصباك وغيرهم.

تطوير المناهج

كيف تقيمون التعليم العام؟

يجب أن نعترف بأن التعليم العام لا يزال على وتيرته السابقة من التلقين وتكرار المناهج في مستويات الدراسة وتقتصر معارفه على فصول الدراسة المتكدسة بالطلاب وفي بيئات تعليمية غير مناسبة، وكل ذلك ينعكس على مخرجاته التي لا تتسم بالعقول المستنيرة أو التحصيل العلمي السليم.

ماذا ينقص التعليم لكي يكون أنموذجا فاعلا؟

ما ينقصه تطوير للمناهج وطرق التدريس وتأسيس بيئة تعليمية مناسبة للتحصيل العلمي واختيار دقيق للكادر التدريسي والإداري مع الاهتمام بغرس القيم.

الابتعاد عن المركزية بالجامعات

وما تقييمكم لواقع التعليم العالي وكيف ترى مستقبله؟

التعليم العالي يخطو خطوات جيدة إذا سلمت الجامعات من المركزية وانعدام الصلاحية وقلة الموارد المالية والكادر التدريسي وضعف الرقابة على العملية التعليمية وعلى الرغم من الطفرة الكبيرة التي شهدها التعليم العالي بإنشاء العديد من الجامعات إلا أن مخرجاتها ليست على المستوى المطلوب وينقصه معالجة السلبيات والمعوقات السابقة.

ضم التعليم العالي إلى التعليم العام ألم يؤثر عليه ؟

أعتقد أن ضم التعليم العالي إلى العام جاء على خلفية قرب صدور النظام الجديد للجامعات التي ستكون على ضوئه مستقلة في قراراتها وبالتالي تتخلص من المركزية ويصبح لها صلاحيات كاملة لإدارة مواردها المالية وتطوير مناهجها واختيار كادرها التدريسي ذي الكفاءة العالية. أما إذا بقى وضع الجامعات على ما هو عليه الأن فإن الضم حسب رأي المتواضع يعتبر خطوة غير موفقة وستقضي على ما بقي من مكانة للجامعات.

لماذا جامعاتنا ضعيفة في تصنيفها الأكاديمي؟

ضعف التصنيف الأكاديمي العالمي للجامعات هو محصلة طبيعية للعديد من السلبيات ومنها النمطية الجامدة لحركة العمل الجامعي وعدم منح الجامعات المرونة والصلاحيات وقلة الموارد وضعف الكوادر الأكاديمية وعدم التطوير والتحديث وملاحقة المستجدات والأهتمام بالجانب الإنشائي أكثر من البناء العقلي الأكاديمي.

مخرجات الابتعاث

ما معوقات التعليم العالي؟

في نظري أن الأسباب التي أدت إلى ضعف التصنيف الأكاديمي هي ذاتها قد تكون من المعوقات، لكني أعتبر أن ضعف الموارد المالية هو المعوق الرئيس والذي تتمحور حوله بعد ذلك كل المعوقات.

كيف ترون مخرجات الابتعاث؟

مخرجات الابتعاث جيدة على العموم خاصة إذا ضمنت الجامعات اختيار المعيدين والمحاضرين ذوي الكفاءات العالية وإذا كان الابتعاث إلى الجامعات ذات السمعة الممتازة في تخصصات المبتعثين، وذلك لأنه هو القاعدة الرئيسية في بناء الكادر التدريسي المتمكن.

تأثير الوالدين

الأسرة وتأثيرها؟

لا شك أن الوالدين هما مصدر التأثير في حياتي فالوالدة -رحمها الله- ربة بيت من الطراز الأول وقامت بتربيتي وإخواني وأخواتي بأقصى ما تستطيع من جهد، وإلى جانب ذلك مكافحة ناسكة زاهدة تقضي معظم وقتها ليلاً ونهارًا في مصلاها مع ما يقدر لها من صيام وصدقة. أما الوالد -رحمه الله- فكان كثير الصمت والتأمل والحلم، لم أسمع منه قط كلمة نابية أو زلة لسان مع سكون في البال وهدوء في الخاطر وراحة في الضمير وتوكل مطلق على الله، وعبادة متصلة ووجه بشوش مضيء وابتسامة دائمة وهندام نظيف مرتب وسكينة وهيبة ووقار وقلب نظيف لا يكن لأحد ضغينة ولا حقدًا ولا حسدًا يحبه كل من عاشره وخالطه ويأنس به كل من جالسه، وحديثه – وإن قل – فهو موعظة وتذكير وحمد وشكر وتسبيح وتهليل مع صبر في الشدائد وتحمل في الملحمات وكان لكل هذه الصفات والملامح للوالدين الأثر البالغ في حياتي والأسوة والقدوة الأولى في مسيرتي وتعاملي.

غربلة المناهج

وكيف تنظرون إلى المناهج حاليا بعد مزاعم سابقة عن تشجيعها للتطرف؟

أعتقد وحسب ما أسمعه من المسؤولين عن التعليم العام أن مناهج التعليم العام طرأ عليها تغيير وتطوير وغربلة تزيل عنها ما كان عالقًا بها من التشدد والتطرف بهدف تعزيز الوسطية ورفع مستوى الخطاب والتسامح المذهبي. أما تغلغل الفكر الإخواني داخل أسوار بعض الجامعات فكان في الماضي وكان له أسباب يعرفها الجميع ولكن المسؤولين عن المناهج الدينية في الجامعات تنبهوا إلى ذلك وحدثت خطوات تصحيحية نأمل أن تعطى ثمارها في اجتثاث هذا الفكر من جذوره.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store