Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

هل يدفن الأدباء والمثقفون الإثنينية بأيديهم؟!

رؤية فكرية

A A
أُدوّن هذه الكلمات الصادقة عن منتدى الإثنينية، وصاحبه ومؤسّسه الشيخ الأديب عبدالمقصود خوجة، في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الذي كان يستقبل فيه عبدالمقصود لفيفًا من خاصة الناس وعامتهم على مائدتي الفطور والسحور.

وأتذكَّر أنَّ الصديق والشاعر المعروف الأستاذ عبدالمحسن حلّيت بن مسلم، هاتفني ذات يوم، وكان ذلك قبل ما يقرب من عقد من الزمن، مستفسرًا إذا ما كنتُ أود أن أكون في صحبته للذهاب والسلام على الشيخ عبدالمقصود، وتناول طعام الإفطار الرمضاني في دارته العامرة، فرددتُ بالإيجاب، والتقيتُ مع صديقي «الحلّيت» عند باب الدارة المعروفة، فدخلنا عليه، فوجدناه يجلس مع جملة من الناس، فيهم الكثير من بسطاء الناس وعامتهم، ما يعني أن عبدالمقصود لم يكن محصورًا في دائرة محددة من الناس؛ بل كان يعد نفسه ابنًا للوطن وأهله، من شرق البلاد إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وهذا ما عرف به أهل الجوار الكريم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث كانت الدور مفتوحة الأبواب، والموائد تصفُّ بين الناس القادمين لقضاء حاجاتهم على أيدي شخصيات عُرفت آنذاك بصنيع المعروف، وبذل الجاه، وزكاة النفس في مرضاة الله. ويتذكر الناس رجالاً من أمثال: الشيخ محمّد الطويل، والشيخ الأديب محمّد سرور صبّان، والوجيه المكّي المعروف عبدالله محمّد بصنوي، والشيخ عبدالله بن سعيد، والشيخ عبدالله بن ظافر، والشيخ صدّيق دمنهوري، والفريق طه خصيفان، والسيد علوي بن عبّاس المالكي، وسواهم.

لقد كانت «الإثنينية» على مدى ثلاثين عامًا تُمثّل مثابة للأدباء والكُتّاب والمثقفين والمفكّرين، وتجاوزت الدائرة المحلية، إلى دائرة أكثر اتّساعًا وشمولاً في العالمين العربي والإسلامي؛ بل أصبحت علامة حضارية من علامات هذا الوطن، الذي يعد مصدرًا للإشعاع والعلم والمعرفة، فقد جمع هذا المنتدى بين صفتين لم تجتمعا لغيره، أولاهما: فتحه لنوافذ الفِكر من خلال استضافته لرموز أدبية وفكرية معروفة في محيطنا المحلي، وعالمينا العربي والإسلامي، بما أتاح أثمن الفرص لساحتنا الثقافية، وبخاصة في مدينة جدة لتستمع عن قرب وتقف على عطاء هذه الشخصيات، وقد بقي ما قدمته في أمسياتها محفوظًا في ذاكرة هذا المنتدى، بالعديد من وسائل التوثيق الحديثة.. وثاني هذه الميزات الفريدة للمنتدى تتجلى في مظاهر التكريم للمستضافين، والحفاوة بهم، متجاوزة بذلك ما درجت عليه أغلب مثيلاتها من المنتديات التي درج على تكريم المبدعين بعد أن يرحلوا عن هذه الحياة.

إن هاتين الميزتين تبرزان من جملة ميزات أخرى لا تقلّ أهمية عنهما، ومن ذلك حرص المنتدى وصاحبه عبدالمقصود على جمع النتاج الفكري والعطاء الأدبي لعدد من الرموز في ما يعرف بـ»كتاب الإثنينية»، الذي رفد المكتبة العربية عامة، والسعودية خاصة بالعديد من المؤلّفات والمجلّدات القيّمة. كما عبر الأديب عبدالمقصود -شافاه الله وعافاه- بإنسانيته الفياضة العامرة إلى أكثر من ذلك، حين نجده يتلمّس ويتحسّس أخبار الأدباء والمثقفين، ويُواسيهم بنفسه وماله متى ما اقتضت الضرورة ذلك، ودعت الحاجة إلى تلبية نداء الواجب عنده.

لقد وجد هذا المنتدى لمسات كريمة من قيادتنا الرشيدة، الحريصة على العلم والمعرفة والفضل والإحسان، وتجلى ذلك في زيارة عدد من الأمراء والوجهاء والمسؤولين، وكانت خاتمتها الحميدة والمباركة الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لهذا الإنسان في منزله بصورةٍ خاصة، وكذلك عندما كان نزيلاً في المستشفى التخصصي، ممّا أعطى مثالاً إنسانيًا فريدًا ونموذجًا لما يفترض أن تكون عليه العلاقة بين الحاكم الرشيد ورجال الأدب والفكر والثقافة.. وكانت لذلك انعكاسات إيجابية في جميع أنحاء الوطن، الحريص على أن يكون ولاؤه لهذه القيادة الرشيدة، وهذه الأرض المباركة، التي تضمّ بيت الله الحرام، ومثوى سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومسجده الطّاهر الشريف.

لقد كان صاحب هذا المنتدى حريصًا على أن تظلّ شعلته متّقدة ومضيئة، فكانت هناك العديد من المقترحات -فيما أذكر- لتكوين لجنة لإدارته، حتى يخرج من إطار الجهود الشخصية إلى العمل المؤسّسي، غير أنّ ذلك لم يتحقّق حتّى الآن، وكلّنا يعلم الظّرف الصّحي الذي يمرّ به الأديب عبدالمقصود خوجة، فهل من أمل في أن يحمل الأدباء، ممن كانوا روّادًا لهذا المنتدى، هذه الأمانة، أم نترك ذاكرة التاريخ لتقول: لقد دفن الأدباء والمثقفون الإثنينية بأيديهم؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store