Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

أن تحكموا بالعدل

A A
تعتبر قصيدة العالِم الموسوعة زين الدين أبوحفص بن عمر المظفر؛ المولود بحلب في نهاية القرن السابع عشر الهجرية، والشهير بـ»ابن الوردي»، والمشهورة: بـ»لامية ابن الوردي»، من أجمل القصائد التي صِيغت في ذلك العصر، لأنها عبارة عن نصائح شرعية وأخلاقية واجتماعية، لما تحتويه من آدابٍ وقِيَم ومُثل وتجارب يوميَّة. يصف الشاعر في بعض أبياتها حال مَن يُسند إليه الفصل والحكم بين الناس فقال:

لا تلٍ الأحكام إن هم سألوا

رغبة فيك وخالف من عذل

إن نصف الناس أعداء لمن

ولي الأحكام هذا إن عدل

فالعدل أساس ومطلب ربَّاني، حثّ عليه المولى عزَّ وجل، في كتابه الكريم، فقد أمر الله تعالى بالعدل والإنصاف بين الناس، فقال في سورة النساء الآية 58: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، وفي ذلك يقول ابن كثير أنه أمرٌ من الله تعالى بالحُكم بالعدل بين الناس، وقال الشوكاني -رحمه الله- هذه الآية من أمّهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع والعدل بين الناس، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل»، وكلنا يعلم لدرجة اليقين، أن العدل والإنصاف والشفافية في الأحكام أمور مطلوبة من الناحية الشرعية، وفي كل الأديان السماوية، ولكنها صعب أن يتقبَّلها الناس جميعاً، لأنهم تجدهم -إلا مَن رحم ربك- يُحبّون العدل والإنصاف فقط عندما يكونوا مظلومين، ويكرهونه في الوقت الذي يكونوا فيه ظالمين، فكما قال ابن القيم الجوزية: رضاء الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك -فاترك ما لا يدرك وأدرك ما لا يترك- فمهما عملت لن ترضى عنك الناس.

وقد ذكر لي أحد المسؤولين نماذج كثيرة أغلبها أمثلة حية تُقابله في حياتهِ العملية قائلاً: تجد الشخص منهم يطلب منك أن تكون عادلاً وشفَّافاً وغير مُنحاز لأي طرف، كل ذلك إذا كان الأمر لا يعنيه أو أحداً من أقاربه، أما إذا كان الأمر يهمه أو أحداً من أقاربه، فعندها تجده يطلب منك غير ذلك، فتأتي الأخوّة والصداقة والموجب، ويطلب منك قضاء حاجته، حتى لو كان في ذلك ظُلم للآخرين، وعند إفهامه أن في ذلك ظُلم للغير، فتكون عندها القطيعة، وقد يصل الأمر أن يتهمك بالإضرار به والحقد عليه، وأنكَ غير عادل، وتُجامل كثيراً، ولو كان الأمر لأحد من أقاربك، لكنت عملته وقد تستمر القطيعة لسنوات وذكر -والكلام للمسؤول- أنه -بفضل الله-، كثيراً ممَّن ظنوا كذلك عادوا واعتذروا، وردوا ذلك للعاطفة، وتذكَّروا قول الله تعالى: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store