Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

من العلم نور إلى العلم مهارة

لا مفر من أن نعترف أننا نعيش في عصر مغاير، معارفه مختلفة، وطرق معيشته جديدة.. حين كان مبدأ التعليم قائمًا من أجل التعليم، كان سوق العمل يستوعب ذلك التعمق البحثي، أما في سوق اليوم، فالمطلوب هو التدريب التقني والمهني الذي أصبح معقدًا وبحاجة إلى التخصص الدقيق.. وما دامت الشهادة الجامعية هي السبيل إلى العمل، فالأجدى أن تعيد الجامعات النظر في سياساتها التعليمية، بدلاً من تكديس الطلاب في تخصصات لا يرغبون بها.

A A
حتى السبعينيات من القرن العشرين كان هناك تصور واضح أن التعليم غاية في حد ذاته، فهو الطريق إلى الشعاع المعرفي الذي يثري عقول الناس وحياتهم بالفكر والاطلاع والتأمل، كان العلم سبيلا إلى الرقي والتحضر. منذ السبعينات حتى يومنا هذا والتصور يتشوش حتى كدنا نجزم بضرورة تغييره واستبداله بمفهوم جديد. إن ارتباط العلم بالوظيفة كان رفاهية مضت، فأعداد البشر واختلاف مستوياتهم المعيشية، والنقلة النوعية في مجال التطور التقني، جعل العلم التقليدي

الذي نتلقاه لا يمنحنا الأمان الوظيفي المستقبلي.

في فرنسا، طرحت الحكومة الخطة المقترحة للإصلاحات المدرسية التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بما في ذلك التغييرات في اختبارات الثانوية العامة والالتحاق بالجامعة. حسب هذا المقترح سيضطر الطلاب إلى اتخاذ خيارات مهنية قبل دخولهم الجامعة؛ حيث سيتم إعدادهم بشكل مناسب لسوق العمل الحديث. وفي أمريكا أصدر البيت الأبيض خطته لدمج إدارات التعليم والعمل في هيئة حكومية واحدة، وستسمى وزارة التعليم والقوى العاملة (DEW)، وستشرف على برامج للطلاب والعاملين، تتراوح من التعليم وتطوير المهارات إلى الحماية في مكان العمل وأمن التقاعد. يقول ميك مولفاني، مدير مكتب الإدارة والميزانية للرئيس ترامب: «إن الإدارتين تفعلان الشيء نفسه. لماذا لا نضعهما في نفس المكان؟» ربما

يقود العلم إلى العمل، ولكن هل فعلا يفعلان نفس الشيء؟

أينما اتجهت ستجد المؤسسات التعليمية حول العالم تراجع خططها التعليمية لتتجه نحو مشروع (التعليم من أجل التوظيف). ذات يوم غير بعيد كانت الجامعات تستشير كبار العلماء والبروفسورات في تطوير مناهجها الأكاديمية، لكنها اليوم تستدعي كبار رجال الأعمال، وتأخذ رأيهم لتنزل عند رغباتهم بإعداد الطلاب بما يتوافق مع ما تتطلبه شركاتهم في سوق العمل. تقول الجامعات أنها تفعل ذلك من باب الضرورة، فمخرجات التعليم لا تتوافق مع طلبات التوظيف خارج أسوارها، مما زاد من نسبة البطالة. وتحاول الجامعات أن تؤكد أنها لن تتخلى عن أهمية المعرفة واتساع الأفق، لكننا رأينا كيف تختصر المناهج، وكيف تضاف إليها مواد بديلة لا دخل لها

في التخصص العلمي الأصلي.

قد تبدو فكرة التعليم الموجه سخيفة عند البعض، ولكن الحقيقة أن هدف غالبية من يدخلون الجامعات هو أن ينتهي بهم التعليم الجامعي إلى ميدان العمل؛ من أجل ضمان مصدر رزق، ومن المؤسف أن يكون الارتباط بين العلم والوظيفة قائم من الأساس، لكن الواقع يحتم أن نعترف أن الدراسة بجميع أشكالها تروم العمل بما عُلِم. إن مسؤولية الجامعات هي مواكبة التطور الاقتصادي وتحويل التعليم إلى مسارات العمل

المتاحة ما دام الارتباط بين المجالين حتميًّا.

لا مفر من أن نعترف أننا نعيش في عصر مغاير، معارفه مختلفة، وطرق معيشته جديدة.. حين كان مبدأ التعليم قائمًا من أجل التعليم، كان سوق العمل يستوعب ذلك التعمق البحثي، أما في سوق اليوم، فالمطلوب هو التدريب التقني والمهني الذي أصبح معقدًا وبحاجة إلى التخصص الدقيق.. وما دامت الشهادة الجامعية هي السبيل إلى العمل، فالأجدى أن تعيد الجامعات النظر في سياساتها التعليمية، بدلًا

من تكديس الطلاب في تخصصات لا يرغبون بها.

ليس من المنطقي أن نصر على أن يكون التعليم للعلم فقط، ولكن ليس من العدل أيضًا أن نشهد تحول التعليم إلى وسيلة لإنتاج العمالة فقط. الطريق الوسط الذي سينصف الجميع هو فكرة المسارات داخل كل تخصص، دون إلغاء المواد أو تقليصها. يجب ألا نقيس قدرات الناس جميعًا بنفس المسطرة، فلدى البعض منا عقول تتوق إلى المعرفة البحتة دونما تفكير في المستقبل الوظيفي، كما أن هناك وظائف تظل تتطلب العلم النظري، كالمدرسين والمؤرخين والمفكرين وغير ذلك.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store