كانت البداية يوم الأحد العاشر من شوال لعام 1439هـ الموافق للرابع والعشرين من شهر يونيو لعام 2018م، فبعد دقيقة واحدة من دخول يوم الأحد ومع منتصف الليل، تحقَّق ما كان حُلمًا عند أخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، وهو تمكُّنهنَّ من قيادة السيارة داخل المملكة، مع أن غالبيَّتهن ممن اعتدن قضاء الإجازات خارج المملكة، ويقدن السيارات في الخارج فور وصولهن المطار، وكم كنَّ يرغبن في الاستغناء عن السائق الذي كان راتبه يستقطع نسبة لا بأس بها من دخل الأسرة، ناهيك عن أن وجوده داخل مركبة مغلقة في داخلها سيّدة، مخالف لشرع الله، ويُعدُّ خلوة غير شرعية، عدا ما يُسبِّبه من ضيقٍ وحَرَج، لتنصُّته على ما قد يدور من حديث بين السيدة ومن معها من البنات والصديقات، أو في الجوال.. حتى وإن كان لسان السائق أعجميًّا، فلدى الكثيرين ممَّن يعملون في بيوتنا ويقودون مركباتنا قُدرة على التخمين وفهم المضمون.
أقول جاء هذا الحدث التاريخي والنقلة الحضارية بمكرمةٍ سامية من قيادتنا الرشيدة، التي أخذت على عاتقها تجديد بنيان دولتنا، وقد دخلت المئة الثانية من عمرها المديد والسعيد بعون الله مستمرة في عملها، وتوّجت بهذا الحدث إنجازات أخواتنا وبناتنا في تحقيق المشاركة التامة مع الرجل في كل متطلبات الحياة من عملٍ وخبرة وعطاء، وبرزن في العديد من المجالات العلمية والإنسانية، وتولى بعضهن مناصب رفيعة في وطننا، وفي العديد من بلدان العالم والمؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث في أعرق جامعات العالم، ولا يزال الطريق أمامهن داخل المملكة مفتوحًا ليتبوَّأن مكانتهن، وهو ما يتماشى مع عصر بدء الدعوة المحمدية من ترابط وتعاون وصبر على الصعاب، وسِيرة السيدة خديجة- عليها رضوان الله- وما قدَّمته لزوجها وللمسلمين الأوائل من بذلٍ وعطاء ومشاركة في السرَّاء والضرَّاء، وصبر على الأذى والحرمان، خير مثال يُقْتَدَى به، لما في سِيرتها -رضوان الله عليها- من مواقف المشاركة التامة في أمور الحياة مع زوجها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وكم سيكون مفيدًا وممتعًا لو جسَّدت الفضائيات العربية هذه السيرة «القدوة» في برامجها التثقيفية والرمضانية، ليعلم مَن في آذانهم وقر؛ أن هذه الخطوة المباركة التي طال انتطارها ليست بِدعَة، وأن قطار تجديد بناء المملكة يسير قُدمًا إلى الإمام.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
