Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

«أفئدة من الناس»

شذرات

A A
هناك العديد من القصص التي يمكن أن تروى عن الحج وثقافته وكلها مختزنة في ذاكرة أصحاب القوافل التي تفد إلى الحج وعند عودتهم إلى ديارهم كتبوا عن المشاهد والبقاع. لعل ما دونه الفيروز آبادي عن رحلته للحج حيث أقام في مكة المكرمة مدة من الزمن وكان من أشهر المجاورين وكانت له مدرسة مجاورة لمنزله في الصفا. وكذلك رحلة ابن جبير كانت من أمتع ما قرأت عن الحج والثقافة المكية آنذاك، والرحالة التونسي محمد السنوسي ورحلة محمد رشيد رضا واعترافات محمد حسين هيكل في الحج وطه حسين في رحاب الحرم وغير ذلك من الكتابات العديدة المتنوعة في مختلف القرون، ولا يزال الحج أرحب مما يكتب أو يدوّن وأوسع مما نعرفه، ومن الكتب التي صدرت حديثاً كتاب بعنوان «أفئدة من الناس: فصول في أدب الحج وثقافته»، للأديب المتألق حسين محمد بافقيه الذي كان يؤمل في إصداره إلى تجسيد أثر الحج في وحدة الأمة وثقافتها. وكما يروى بأن الرحلة إلى البيت العتيق كانت مكابدة روحية أحدثت تحولاً عظيماً في كوكبة واسعة من الأدباء والمفكرين والمثقفين في العصر الحديث كما أثارت من قبل ألواناً من الشوق والتوق في قلوب كل من قصد تلك الأماكن الشريفة من العلماء والأدباء والرحالين وسواهم، والآية الكريمة في سورة إبراهيم تؤكد ذلك (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) وتستوقف الكاتب الأديب حسين بافقيه الآية الكريمة (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) فلا عجب بأن الأذان الذي طاف الدنيا كلها جعل القوافل تقبل من كل فج عميق، وفيها أفئدة تتوق شوقاً إلى البيت العتيق.

أختم هنا بما أورده الأستاذ حسين محمد بافقيه في كتابه عن العالم الهندي رفيع الدين المراد آبادي حين رأى الكعبة المشرفة: وتجلّى لي جمال الكعبة، ألقيت عليها نظرة واحدة، فإذا بمتاعب السفر قد زالت، وإذا بمصائبه قد تلاشت، ولم أعد أشعر بما كنت أعاني من مشقة، نتيجة المشي على الأقدام بملابس الإحرام، تحت وهج الشمس المحرقة، وعلى الرمال الملتهبة مسافة تزيد على اثني عشر كيلو متراً. إن نظرة واحدة لجمال الكعبة المشرفة أزالت عني جميع متاعبي السابقة.

وبعد.. ماذا لو كان العالم رفيع الدين المراد آبادي يعيش بيننا اليوم كيف سيصف رحلته بعد التحديث والتطوير الذي شهدته كل مرافق الحج في عهدنا الحالي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store