Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عائشة عباس نتو

الموت الذي لا تعنيه أسماؤنا..!

A A
إنه الموت الذي لا يعتني بأسمائنا.. أحوالنا.. وحتى من نتركهم بعدنا.. لا يهم اليوم عمّن سأتحدث أو من افتقدت.. الشعور بالفقد فراغ ذاتي مع ازدحام الجميع حولك.. لهذا سأشكو الموت وأستعرض بين يديه ذكريات الحياة مع (زميل مهنة) غادرني الخميس الماضي.. غادر بعد أن حمل مهنة العمل الحر، ونذر عمره لهذه المهنة، وفي المقابل عاش ذاكرةً للجمال فقد كان يحفظ شعر المتنبي وعنترة بن شداد ورسائل المعري ومقدمات ابن خلدون وزهيدات أبي العتاهية ومقامات البديع، هو رجل أعمال مثقف مختلف عن الآخرين، كان شاعراً بلا دواوين، وراويًا بلا روايات.. ومفكّرًا دون منصة.. وحتى واعظًا دون أتباع..!

تحول في حياته إلى فراشة تبحث عن رحيق في مهنة المال والأعمال، حاصرته الألقاب من كل جانب، وذاع صيته، ورغم ذلك ظل شجرة تواضع وعطاء أصلها ثابت وفرعها في السماء، قامته النخلة، وهيئته رجل من أشجار، أو حتى شجرة من الرجال..!

يا للصاعقة، يا إلهي، ها هو الموت يهزمني من جديد، يختطف زملاء أجيالي وإخواني، كان الفقد يعصر عيني دمعًا، عندما أخبرني أخوه بطلبه الأخير «رز باللبن» قبل موته، وقد كان لهذا الرز ذاكرة حية بيني وبينه، شعرت بمرارة لاذعة وأنا أستمع لهذا الطلب، كان دومًا يحدثني بهذيان الجريح، عن الناس الذين رحلوا من حياتنا، ظلّ مغموسًا في الحزن على الرحيل، بادرته الأسوأ قد انقضى! نظر إليّ مبتسماً بعد أن سقطت مقلتاه على الأرض، (الأسوأ والأجمل معًا...)، يبدو أن الموت يختطفنا دائمًا إلى مدائن التذكر والفقد معًا حينما يتجاوران في روح واحدة، فقد رحل مسرعًا، عابرًا..

قيل إنّ الموت لا أن تموت بل أن تنسى، وليس هناك ما يكفي من النسيان كي ننساك حتى مع ضمور الذاكرة وتعاقب الأوجاع عليها، ارحل.. ارحل بسلامٍ يا أجمل من عرفت..!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store