Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

مهزلة البحوث الطبية

وخلافاً للتقليد السائد، ليس هناك دلائل علمية مُثبتة على أن طالب الطب والطبيب المُبتدئ المشغول بهوَس نجاحه في تقييماته واختباراته الدورية، يستفيدُ حقاً من بُـحوث لا تؤهّله ليكون باحثاً بارعاً أو ناقداً مُتمكّناً للدراسات العلمية، بل هناك تقارير وإشارات تدعو إلى توفير وقته لتعلّم أبجديات الطب وأساليب الفحص والتشخيص والعلاج المعقّدة

A A
أتناولُ بشكل خاص أسطورة البحوث العلمية للأطباء المُقيمين في برامج تدريبية، ومن في حُكمهم من طلاّب الطب، على الرغم من التساؤلات حول جدوى تلك البحوث ومدى فائدتها الحقيقية لهم ولمجتمعهم في هذه العمر المبكّرة من حياتهم الدراسية، سوى أهميتها كفقرة زائدة في سِيَرهم الذاتية!.

وخلافاً للتقليد السائد، ليس هناك دلائل علمية مُثبتة على أن طالب الطب والطبيب المُبتدئ المشغول بهوَس نجاحه في تقييماته واختباراته الدورية، يستفيدُ حقاً من بُحوث لا تؤهّله ليكون باحثاً بارعاً أو ناقداً مُتمكّناً للدراسات العلمية، بل هناك تقارير وإشارات تدعو إلى توفير وقته لتعلّم أبجديات الطب وأساليب الفحص والتشخيص والعلاج المعقّدة،

كي يتخرّج طبيباً حاذقاً لا باحثاً ركيكاً، فالمُجتمع السعودي يعاني نقصاً كبيراً في أعداد الأطباء السّعوديين المُتمرّسين لتغطية الاحتياج في جميع التخصصات الأساسية، ناهيك عن الدقيقة.

ويدعمُ ما تقدّم، حقيقة أن معظم طلبة الطب والأطباء تحت التدريب، لن يعملوا في مؤسسات أكاديمية بحثية تختص بنشر بحوث مُعتبرة في مجلات طبية عالمية مُحكّمة، فضلاً عن أن بحوثهم «شكلية» ليست ذات قيمةٍ علمية حقيقية، ولا يتمُّ ترجمتها إلى إرشادات قائمة على الأدلة العلمية، في حين يؤثر ضياع وقتهم في بحوث ضعيفة، على كفاءتهم الطبية الضرورية للتعامل مع العالم الحقيقي للمنشآت الصحية وتقنيات التشخيص وأدوات العلاج.

والمُخجِل أن يتم استغلال وقت وجهد كثيـر منهم من قِبَل بعض الاستشاريين وأساتذة الـجامعات كي ينشروا بحوثهم في مجلات طبية مُتواضعة، وينالوا على حسابهم درجات أكاديمية متقدّمة، لكنّهم -أي الطلاب- مُضطرون لذلك لاشتراطها من بعض كليات الطب الناشئة والهيئات الصحية لقبولهم للتوظيف في البـرامج التدريبية، وهو ما أراه أُضحوكةً سخيفةً ومسرحية هزَلية، كما من الغُبن تعرّض طلاب الطب والمتدرّبين إلـى مُشكلات ضعف التمويل، وعدم تفرّغ الطالب، وإهمال أو عدم تفرّغ المُعلّم الـمسؤول عنه، وحواجز وتعقيدات المنهجية العلمية طويلة الأجل. الجدير بالذكر أن البحوث الطبية -بحسب علمي- ليست شرطًا لتوظيف الأطباء «غير السعوديين» وهم الأغلبية في القوى الطبية العاملة.

أرى أن الضغط غير المُبرر للبحوث على الطلاب والأطباء المُتدرّبيـن، يتسبب في تشتيت انتباههم في مراحل مُبكّرة لا تسمحُ لهم بتحديد اهتماماتهم وتخصّصاتهم الطبية، ومن الأجدى -عِوضا عن ذلك- تعليمهم أساسيات إدارة الصحة العامة، وطرق تقديـم خِدْماتِ أفضل للمرضى، وتحسيـن مهارات وأخلاقيات تعاملهم معهم، والحدّ من تعرّضهم للأخطاء الطبية، وتحقيق التوازن بين حياتهم الاجتماعية والمهْنية، وسُبل تطوير البنية الأساسية وسياسات الإدارات الطبية، وتحسين مهارات التقديم والمُحاورة والتواصل الإعلامي لديهم، وضبط مهاراتهم الإكلينيكية السّريرية كمُمارسين مُستقلين، مع ترك الاختيار للراغبين منهم في إجراء البُحوث الطبية وتفريغهم لذلك، ورعايتهم بشكل أكثر فاعلية ومنهجية تدريبية في مراكز أكاديمية بحثية مُتخصصة، تنتج أبحاثاً نافعةً حقاً للبشرية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store